الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
لماذا كانت بداية "المساء" يسارية؟!!
أراد الصحفي الكبير إدجار جلاد باشا. أن يتحدي مقولة "الصحف المسائية عمرها قصير".. فبني داراً صحفية في شارع الصحافة رقم ..11 الدور الأول للإدارة. والدور الثاني للتحرير والدور الأرضي للجمع والتوضيب. والبدروم للمطبعة الكبيرة.. بل ترك أرضاً فضاء بجوار المبني لأي توسعات مقبلة.. وأكثر من ذلك أساس المبني يتحمل بناء أدوار أخري.. وتعاقد مع كامل الشناوي رئيساً للتحرير. وأطلق يده في اختيار هيئة التحرير بأي مرتبات يراها.. صحفيون وكتاب متفرغون أو غير متفرغين.. كذا رسام كاريكاتير مشهور.. وهكذا انفجرت قنبلة صحفية اسمها "الزمان" تهافت عليها القراء منذ 12 ظهراً.. بل تأثرت الصحف الصباحية. فقد كان القراء يتبادلون مع بائعي الصحف بإعطائهم الصحف الصباحية ونصف ثمنها ويأخذون "الزمان"!!.. ولم يدم هذا "العُرس الصحفي" طويلاً.. انتهت شهور العسل. بعد هجرة إدجار جلاد باشا إلي بلده لبنان.. وثبت أن المال الوفير ليس كل شيء.. وكان كامل بك الشناوي الشاعر الرقيق الهائم في دنيا الخيال والفن والحياة الناعمة لأبعد الحدود.. لم يكن هو الصحفي المحترف المتفرغ للعمل الصحفي الشاق.. فالصحافة هواية يحترفها من يعشقها.. فأسدل الستار علي تجربة رائعة لم تدم سوي عدة شهور.. أكثر من تأثر بهذه التجربة المرحوم علي أمين الذي فكر كثيراً في إصدار "أخبار المساء"!!.. وكان عنده فكرة رائعة لـ"المساء".. قالها لنا عند زيارته للدار للتهنئة والمجاملة. فنحن كنا جيراناً في نفس الشارع سأذكرها يوماً ما.
المهم.. توقفت جريدة "الزمان" عن الصدور. تم غلق الدار في بداية عام 1953. في نفس الوقت كان مجلس قيادة الثورة يفكر في إصدار جريدة يومية. وبالفعل صدرت "الجمهورية" في ديسمبر ..1953 وكانت مصر في أشد الحاجة للاتحاد السوفييتي بعد تأميم القناة خسرت مصر أمريكا ودول الغرب وعلي رأسها انجلترا وفرنسا.. وبالتالي صندوق النقد الدولي.. في نفس الوقت رأي خروشوف رئيس الاتحاد السوفييتي أن "احتضان مصر" والوقوف بلا حدود في صفها فرصة لا تعوض علي مدي تاريخ الاتحاد السوفييتي.. وفي هذه الأثناء كان خروشوف دائم الزيارة لمصر حتي قيل يوماً من باب المبالغة إن خروشوف كان يدير الاتحاد السوفييتي من القاهرة!!!... من هنا كان لا غني لإحدي الدولتين عن الأخري.
* * *
وبلغة "الحيتان". كان هناك كلام يقال علانية من ورائه كلام آخر هو المقصود به أن يقال.. لماذا لا توجد صحيفة يسارية رغم وجود هذا التيار اليساري الواضح في مصر.. كان خروشوف يحرص علي طلب الصحف المصرية بجوار باقي الصحف باللغات الأجنبية. وكان الكلام عن الصحافة مع عبدالناصر فيه تلميح عن الأفكار اليسارية في الصحف المصرية.. فكان قرار إصدار جريدة "المساء" برئاسة خالد محيي الدين الذي جمع كل الصحفيين والكُتاب اليساريين حتي كاريكاتير بهجت وزهدي.. وقرر عبدالناصر أن تكون جريدة مسائية.. ونحن الآن نحتفل بعيدها الستين. وإلي الغد.. بإذن الله تعالي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف