المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
هل نعرف عدونا الحقيقى؟
قبل أن نعلن الحرب.. علينا أن نحدد من هو العدو الذى نستهدفه.. وهل هو عدو ظاهر أم مستتر.. واضح أم يتحرك فى الظلام.. يحاربنا فى العلن أم يحارب من وراء جدار؟

وتحديد العدو يجب أن يسبق تحديد السلاح الذى نستخدمه.. بل وزمان ومكان المعركة.. وعبر تاريخنا الحديث كان الأعداء ظاهرين.. الإنجليز الذين احتلوا مصر وخططوا لذلك منذ جاءوا «لمساعدتنا» فى طرد قوات بونابرت، ثم فى حملتهم علينا عام ١٨٠٧ «حملة فريزر»، ثم معركة القناة وهزيمة مصر «العرابية» عام ١٨٨٢.. ثم مشاركتهم فى العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ كان العدو ظاهراً.. ولهذا كانت معركتنا معهم واضحة، وبالذات منذ ثورة ١٩ إلى إلغاء معاهدة ٣٦ فى أكتوبر ١٩٥١.

كانت إسرائيل عدواً ظاهراً وواضحاً حتى قبل مايو 48 ثم حرب فلسطين الأولى، ثم العدوان الثلاثى، وكانت إسرائيل هى الطرف المستخدم أداة لضرب مصر.. وترسخ هذا العداء عام 1967.. ومازلت أراها هى عدونا الأول: الظاهر وأيضاً الكامن، رغم معاهدة السلام.

الآن.. هل نجزم أن أمريكا هى العدو الظاهر الأول الآن لنا.. رغم ما تعلنه واشنطن من أن مصر هى الحليف الاستراتيجى لهم فى المنطقة.. ورغم الدعم العسكرى والاقتصادى الأمريكى.. ربما هم يتمسكون بشعرة معاوية الذى لا يعرفونه!!

والعدو هنا قد يكون من الأصدقاء.. وما موقف روسيا الحالى إلا تعبير عن هذه المرحلة.. فهم أكبر داعم عسكرى لمصر.. وأكبر مصدر للقمح لنا وللسلاح أيضاً، وأكبر مستورد للمنتجات الزراعية المصرية: البصل.. البطاطس.. الفراولة.. الموالح.. وهذا هو الأمر المحير.. وبالذات موقفها من إيقاف السياح الروس.. بسبب إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء.. أمر محير جداً.. حتى إن الأمر يبدو الآن وكأننا نتسول الروس، وهم أكثر السياح بخلاً وأقلهم إنفاقاً إذا جاءوا!! فهل تضغط موسكو من أجل مزيد من المزايا تحصل عليها روسيا.. أم تريد الانفراد- وحدها- بالأمر فى مصر؟

وإذا كان موقف الإنجليز معلوماً لنا وواضحاً، وهكذا كانوا عبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وربما المستقبلى أيضاً.. فماذا عن كندا.. وهل هى هنا تتبع سيدتها الأولى، إنجلترا، بحكم أنها كانت من أكبر الماسات فى التاج البريطانى نفسه.. أم أن كندا تتبع الآن تعليمات واشنطن، رغم أن كندا سياحيا أكبر من الولايات المتحدة (كندا مساحتها 9 ملايين و976 ألفا و400 كيلومتر مربع.. والولايات المتحدة مساحتها 9 ملايين و372 ألفا و610 كيلومترات.. وبالمناسبة مساحة روسيا 17 مليونا و75 ألف كم مربع).

وسبب ذلك أن الثلاثة: أمريكا وكندا وبريطانيا حذرت رعاياها فى مصر من التحرك يوم 9 أكتوبر تخوفاً، كما ادعت، من أحداث إرهابية قد تقع فى مصر.. فهل الثلاثة- بالفعل- أعداء لنا.. رغم أن بريطانيا من أكبر المستثمرين عندنا مثلاً.. ورغم أن كندا لا تعلن ذلك صراحة.. إلا أن هذا التحذير يقلقنا.. ويجعلنا نبحث وندرس ونغوص لنحدد من هو العدو الأكبر لنا.

وتحديد العدو يحدد لنا أسلوب مواجهته.. مثلا: هل الميزان التجارى بيننا وبين كندا يعطينا ميزة الضغط على كندا اقتصادياً.. وهل الأمر كذلك مع بريطانيا؟.. أما أمريكا فلها أسلوب آخر للتعامل.. أم أننا- الآن- لم نعد فى موقف المقاطعة مع كندا مثلاً، وهى من أكبر مصدرى القمح لمصر، ولم يعد الميزان التجارى لصالحنا مع كندا.. أم أن أسلوب المقاطعة الاقتصادية لم يعد سلاحاً عصرياً فعالاً.. تماماً كما صار الحال فى سلاح البترول مثلاً؟

■■ الحقيقة المؤكدة أننا للأسف لا نعرف من هو عدونا الحقيقى، وبالتالى لا نعرف بأى سلاح نواجهه.. أم نكتفى بالتنديد والاستنكار.. ورد الفعل الإعلامى تجاه هذه الدولة أو تلك.. والتنسيق مع الأشقاء العرب، الذين مازالوا أصدقاء لنا.. أم أيضا هذا التنسيق تم تمزيقه بسبب الخلافات الواضحة- والمستترة- فى المواقف السياسية الآن؟!

■■ أغلب الظن أن انغماسنا الكامل مع الإرهاب الداخلى شل أيدينا فى التعامل مع العدو الخارجى.. دون أن ندرى مثلاً وجود تنسيق كامل بين من يعمل بالداخل.. ومن يتحرك فى الخارج.. وفى المقدمة تجىء دول أخرى مثل تركيا وقطر.. ومن يدعمهما من وراء ستار!!

■■ الخلاصة الآن أننا أصبحنا بين المطرقة والسندان.. بين فكى وحش يتحرك داخلنا.. وأيضا يعمل خارجيا.. ونحن محتارون.. اللهم إلا إذا كانت القيادة العليا لمصر تعلم تماماً كل ما يجرى.. ولكن يبقى أن نحدد من العدو حتى نحدد السلاح.. وهل نحن فى معركة ممتدة لفترات طويلة، لأن الهدف هو إنهاك مصر، على كل الجبهات.. حتى يكون «التركيع» كاملاً ليسهل عليهم تدمير القلب العربى- مصر- ثم ما أسهل أن ينهالوا على كل الأشقاء!!

ولكننى أرى أن سلاح مصر الأهم «الآن» هو مدى قدرة الشعب المصرى على الصمود.. وعلى تحمل الآلام.. وما معارك الغلاء إلا مقدمات لذلك، وما سلاح التحذيرات ومعه سلاح الشائعات إلا وسيلة العدو، أو كل الأعداء.. وهذا هو قدر مصر.. منذ مئات السنين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف