التحرير
نبيل عمر
فلوس الدولة الغبية!
لم أعرف هل أضرب كفًّا بكف وأسقط على الأرض من فرط الدهشة أم أرفع رأسى إلى السماء ويعلو صوتى بالدعاء على الدولة الغبية ورجالها الكبار؟!

لست من أنصار تسمية مصر «الدولة العميقة»، فهو وصف غير دقيق، فجزء من الدولة المصرية جنوبًا وغربًا ما زال قَبليًّا وعشائريًّا حتى لو كان جزءا صغيرا، أى لا يعى مفهوم الدولة فهمًا عصريا، وما زال انتماؤه إلى القبيلة والعشيرة أعلى كثيرا من انتمائه إلى الدولة، بل إن التيارات الدينية لا ترى دولا ولا أوطانا وإنما إمارات أو ولايات فى خلافة منتظرة فشل الإخوان فى تأسيسها لعيب فيهم لا فى الفكرة، والأقرب إلى الصحة دولة عميقة حضاريًّا، أى لها عمق ضارب فى التاريخ والثقافة، وحوَّلها حكام المصريين المحدثين إلى دولة غبية، فهل هناك دولة فى العالم يمكن لموظف عام أن يسرق من الخزينة العامة مئة مليون جنيه قبل أن ينكشف أمره؟! بالطبع لا.. على رأى راقية إبراهيم فى فيلم «رصاصة فى القلب» حين سألها عبد الوهاب: والشخص ده موجود هنا؟!

لكن بالطبع نعم فى الواقع المصرى، وقد صنعته مديرة عام حسابات بالحكومة فى إدارة ٦ أكتوبر التعليمية، واسمحوا لى أن أقول لكم إن المستحيل حدث، ولا أعرف كيف تفننت هذه المديرة وتمكنت من المئة مليون جنيه من مال الدولة، إلا إذا كانت دولة غبية، والعبد لله عمل فى حسابات الحكومة فى أول حياته، والحكومة لها نظامان للرقابة على صرف المال العام، رقابة قبل الصرف يتولاها جهاز حسابات الحكومة التابع لوزارة المالية، ورقابة بعد الصرف ينفّذها الجهاز المركزى للمحاسبات.

وحسابات الحكومة هى الموكول إليها الالتزام بصرف كل مليم من «المالية» حسب الموازنة العامة التى يقرها البرلمان وتعمل بها الدولة سنويًّا، ولها وكيل حسابات ومراقب حسابات من وزارة المالية فى كل هيئة ومؤسسة عامة وديوان وزارة، أو بمعنى أصح فى كل وحدة مالية تصرف من الخزينة العامة.. وهذه الوحدة لها موظف ربط معه خريطة تفصيلية بكل النفقات المتوقعة، ومهمته أن يراجع كل مستند مالى على بنود الصرف الواردة فى الموازنة العامة، فمثلا إدارة ٦ أكتوبر التعليمية قد يكون مخصصا لها مليون جنيه مثلا، مقسمة على عدة بنود: أدوات مكتبية، إصلاح وصيانة، مرتبات، مكافآت امتحانات النقل، شراء أدوات مساعدة.. إلخ، فيُصرف أى مبلغ من الحساب المخصص لها وفى حدوده، ويخرج به شيك موقَّع من اثنين: مدير الحسابات فى هذه الوحدة ومراقب أو وكيل حسابات الحكومة بها، مرفق به مستندات الصرف من الربط وأسباب الصرف وتفنيطه، فكيف استولت هذه المديرة بمفردها على مئة مليون جنيه من الإدارة التعليمية وأخرجت بها شيكات باسم عائلتها؟! ومن أى بنود الصرف فعلت ذلك؟! وكيف لموظفى الإدارة غير التابعين لوزارة المالية المنوط بهم إنفاق هذه الأموال على أعمال محددة سلفًا فى الموازنة التى طلبوها من الوزارة؟! بمعنى أن ثمة تناقضا بين مصالح هؤلاء الموظفين وقيام هذه المديرة العامة (التى هى مراقب حسابات الحكومة)، بالسطو على تلك الأموال، بعيدا عن المدير المالى للوحدة الحسابية وموظفى الحسابات وموظف الربط.. هذا مستحيل أن يحدث إلا فى دولة غبية، وشديدة الغباء أيضا!

أهلًا بكم فى واقع غبى منه فيه!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف