التحرير
طارق الشناوى
«قُلة» أحمد رامي!
روى مرة الشاعر الكبير أحمد رامى أنه كان يرى على البعد فتاة جميلة تطل من خلف الشباك، فكان يتغزل فيها بعشرات من القصائد، وتصور من طول إقامتها، أنها تبادله الغرام، فتشجع وقرر أن يقترب أكثر وأكثر ليمسك الحقيقة بعينيه فاكتشف أن ما كان يعتبرها فتاة أحلامه وملهمة أشعاره ما هى إلا «قلة قناوى»، فتوقفت من بعدها لغة الكلام.

الخيال الجامح دائما هو الذى يحرك الإبداع، الصورة التى ننسجها للمحبوب هى التى تحدد زاوية الرؤية، مثلا كان أمير الشعراء أحمد شوقى يقول على لسان قيس بن الملوح «ليلى بجانبى كل شىء إذن حضر»، تابعوا لو أن قيسا تزوج ليلى هل كان سيلقبه أحد بالمجنون، أم سينسى تماما أمام ضغوط الحياة تلك المشاعر المتأججة، ويعود إليه عقله ليرى الحقيقة التى هى غالبا مُرة.

أحب رامى أم كلثوم من طرف واحد بالطبع، وأسفر هذا الحب عن عشرات من أشهر وأرق الأغنيات فى تاريخنا الفنى «هجرتك» و«رق الحبيب» و«إنت الحب» و«يا ظالمنى» و«عودت عينى على رؤياك» و«يا مسهرنى» وغيرها، هل كان رامى سيكتب «من كتر شوقى سبقت عمرى» لو كان قد تزوج أم كلثوم؟

أشهر قصائد الحب «الأطلال»، التى اعتبرها عديد من المراجع هى قصيدة القرن العشرين كان الشاعر إبراهيم ناجى مغرما بكتابة أبيات تلك القصيدة على «روشتات» العلاج، حيث كان طبيبا، وأيضا كتب بعضها على مناديل كل من النجمتين زوزو ماضى وزوزو حمدى الحكيم، لكنه لم يتزوج أيا منهما، وإلا ما كان قد كتب تلك الشطرة العبقرية «وعدونا فسبقنا ظلنا».

ما ذكرنى بتلك الحكايات هو سؤال تابعت إجابته قبل عدة أشهر عبر شريط سينمائى فاز بجائزة المُهر الذهبى لأفضل فيلم قصير فى مهرجان «دبى» عنوانه «فتزوج روميو جولييت» للمخرجة التونسية هند أبو جمعة، الفيلم يقول، ماذا لو تزوج العاشقان، المخرجة التونسية رصدت فكرة الخرس الزوجى، فى الحقيقة تعدتها إلى الكراهية، هكذا تخيلت روميو وجولييت بعد أن وصلا إلى العقد الثامن من عمرهما، وهما يعيشان تحت سقف واحد، وكل منهما صار منعزلا، ولديه حياته وخصوصيته، وعندما يتقابلان صدفة فى المطبخ مثلا كان الموقف أشبه بحادثة تصادم، كل منهما كان ينتظر أن يغادر الآخر المشهد تمامًا ليعيش بمفرده.

النجم الكبير الراحل كمال الشناوى روى لى أنه كان لديه مشروع لسيناريو كتبه فى مطلع التسعينيات يقدم من خلاله جزءا ثانيا لما يحدث بعد عشرين عاما بينه وبين شادية، بعد أن اشتركا معا فى 36 فيلما روائيا، وهو رقم لم يصل إليه أى ثنائى من قبل، نور الشريف وميرفت أمين فى المركز الثانى 25 فيلما، بينما مثلا ليلى مراد وأنور وجدى جمعهما فقط 8 أفلام.

كمال الشناوى كتب سيناريو أحداثه تبدأ بمشهد أبيض وأسود من نهاية أى فيلم قديم جمعهما، وهما فى طريقهما للمأذون، ويكتب على الشاشة مرت 20 عاما، ثم يبدأ فى تقديم مشكلات البيت والأولاد، وكيف انعكس ذلك سلبا على مشاعر الحب القديم، أوصلتهما إلى حافة الطلاق، إلا أنه وحتى لا يصدم مشاعر الجمهور أنهى فيلمه والمأذون يعقد قرانهما مجددا، بينما أبناؤهما شهود على العقد، عندما عرض كمال الفكرة على شادية كانت قد اعتزلت، وتحجبت فتوقف المشروع.

قال نزار قبانى «الحب فى الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه»، وأتصور أن «قُلة» رامى تُثبت ذلك!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف