التحرير
شعبان يوسف
المصريون والهند والمهاتما غاندي
قد تكون ظروف وملابسات الاحتلال المتشابهة بين مصر والهند هى التى جعلت العلاقة بين شعبَى البلدين وطيدة وذات صلة عميقة، ولأن المحتل واحد، ويطبّق سياسات متقاربة فى الهند ومصر، مع اختلاف درجات المقاومة ودرجات قبول وتلقى هذه السياسات، حدث هذا الحنين الجارف للتعاون بين حركة تحرير الهند، والقيادات الوطنية والثقافية المصرية، وكنا قد أشرنا إلى الحوار الفكرى والأدبى الذى أجراه الدكتور طه حسين والشيخ مصطفى عبد الرازق، عندما زار الفيلسوف طاغور بلادنا فى عشرينيات القرن الماضى، وكان حوارا مثمرا ومتفهما الجوانب الروحية المشتركة بين الشعبين والثقافتين.

ودوما كانت الصحف والمجلات المصرية تعلّق على ما يحدث فى الهند، خصوصا عندما اشتد بطش الاحتلال البريطانى على الجبهتين المصرية والهندية -إذا صحّ الجمع- وكانت هناك مساهمات فكرية وسياسية مصرية فى إيضاح الجوانب المشتركة بين نضال المصريين ضد المحتل الغاشم الإنجليزى، وكذلك نضال الهنود وأساليبهم المبتكرة. ويقول فتحى رضوان فى تقديمه لكتاب «جواهر لال نهرو.. سيرته»، الذى ترجمه محمد بدران فى أواخر الخمسينيات: «فالهند- من مصر، ومن كفاحها فى سبيل المبادئ الإنسانية والعالمية التى تؤمن بها، وتدعو إليها وتعمل على تحقيقها- بمثابة الشقيق الذى يؤنس وحشة الإنسان إذا سار فى الطريق الملىء بالصعاب، الذى يؤكد عزمه حينما تلم الخطوب، والذى يشاطره الفرحة حين تنجلى الغمة ويتحقق النصر».

إذن العلاقة بين الهند ومصر ضرورة سياسية، وثقافية، وكفاحية، وكثيرا ما نجد أن وحدات ووشائج وصلات عميقة نشت بين المستضعفين فى الأرض ضد مستبد وطاغية ومحتل يتسم بالغشومية والتدمير.

وهذا ما فعله الإنجليز بين المصريين والهنود، أى الدفع قدما نحو تشكيل جبهة المستضعفين، وذلك بمتابعة الأحداث هنا وهناك، وكذلك انتقال الخبرات بين الشعبين، وترجمة الآداب المحلية لمبدعى البلدين، ومن بين ما كانت تتابعه المجلات، نشرت مجلة «الرسالة» المصرية فى 19 أبريل عام 1937 موضوعا تحت عنوان «الدستور الهندى الجديد.. هل يكون نذير ثورة قومية جديدة؟»، وجاء توقيع كاتبه هكذا: «مؤرخ»، ووصفته المجلة بـ«مؤرخ كبير»، وليس مجالنا هنا الكشف عن هوية الكاتب، لأن هذا كان يحدث كثيرا فى تلك الفترة، بقدر ما يشغلنا مدى الاهتمام الذى أبداه المصريون بحركة التحرر الهندى، وزعماء تلك الحركة فى ذلك الوقت، وعلى رأس هؤلاء الزعيم الروحى والفعلى المهاتما غاندى، وكذلك زعيم حزب المؤتمر المناضل جواهر لال نهرو..

وكانت الانتخابات البرلمانية الهندية قد أسفرت عن نجاح حزب المؤتمر بقيادة جواهر لال نهرو بالأغلبية، ولكن هذا الأخير وحزبه رفضا تشكيل الحكومة، ورأيا أن يكون الحزب نائيا عن هذا التشكيل، إذ إن المستعمر لم يعط أى ضمانات لتنفيذ الأمانى الوطنية للشعب الهندى وقياداته، وحتى الدستور الذى أصدرته لجنة إصلاح الدستور فى الهند عام 1935، التى كان يترأسها دبلوماسى إنجليزى، لم يكن معبرا عن رغبة الهنود فى الاستقلال التام، وأعلن الإنجليز عن تطبيق هذا الدستور منذ أبريل عام 1937، حتى لو كان ناقصا.

هذه المشكلات والعوائق التى كانت تواجه الهنود كان المصريون ينظرون إليها باعتبارها مشكلات شبيهة بقضاياهم، أى التصريحات البريطانية المنقوصة هى السياسة العامة التى كانت تتبعها بريطانيا تجاه مستعمراتها، إذ إن الهنود ناضلوا بضراوة للحصول على دستور ديمقراطى، يضمن لهم استقلالا حقيقيا، وكانت لجنة الإصلاح الدستورى قد أصدرت دستورا مبكرا عام 1919، ولكنه لم يعط الحكومات المحلية حقوقا مشروعة لهم، فى حالة إعلان الحرب، والسياسات التعليمية والاقتصادية، مما دفع الزعيم غاندى لإعلان عصيانه المدنى، ثم المقاومة السلبية التى كانت بعض المستعمرات الأخرى تختلف مع هذه المقاومة، ولكنها أسفرت عن نتائج عظمى، وضعت إنجلترا فى موقف سياسى عالمى حرج.

ولأن غاندى كان زعيما كونيا ضد الاستعمار، فقد حظى باهتمام مصرى خاص جدا، إذ صدرت عنه كتب مهمة جدا، كتبها كتاب مصريون كبار، ومن بينهم المفكر سلامة موسى، الذى أصدر كتابا عنوانه «غاندى والحركة الهندية»، وهو يعالج الأحوال الهندية العامة فى الهند، ثم سياسة غاندى وفلسفته، وفى القسم الثالث للكتاب نقل موسى بعض مقالات كتبها ونشرها غاندى فى المجلات الهندية المحلية، ولم يكن إنشاء هذا الكتاب إلا لتحفيز المصريين على السير قدما على خط هذا المناضل العتيد، وحركته النضالية العظيمة.

أما الكتاب الثانى فهو عبارة عن سفر كبير، كتبه الشاب المجاهد فتحى رضوان المحامى، وأصدره عام 1934، وكان عنوانه «المهاتما غاندى.. حياته وجهاده»، ويهدى رضوان كتابه إلى الشباب المصرى والشباب العربى الآمل فى وحدته، وينهى إهداءه بقوله: «أرفع كتابى هذا، حديثا عن الوطن والوطنية، ترتيلة للدين والعاطفة الدينية، هدية للشرق والفكرة الشرقية.. ووقودا للنار المقدسة، التى تحرقنا، وتحلل أجسادنا، وتنقينا وتصفى أرواحنا».

وها هو فتحى رضوان يؤكد على أن كتابه بمثابة مشاركة فى إفعام الروح الوطنية المصرية بعناصر نضالية شبيهة، فى مواجهة مستعمر واحد، يتبع سياسة مشابهة للسياسة التى ينتهجها فى مصر.

أما الكتاب الثالث فهو «روح عظيم.. المهاتما غاندى»، للكاتب والمفكر عباس محمود العقاد، وفيه تناول العقاد حياة غاندى وفلسفته وحركته النضالية بتوسع ورحابة صدر، ومناقشات مستفيضة، وقدّم كتابه بقصيدة شعرية بديعة.

أما الكتاب الرابع فهو كتاب «مهاتما غاندى.. نشأته وعمله فى جنوب إفريقيا.. من سيرته كما كتبها بقلمه ونشرها لندروز الإنجليزى أحد مريديه»، ونقلها إلى اللغة العربية، وكتب للسيرة مقدمة ضافية، المفكر إسماعيل مظهر، وصدر الكتاب عام 1934، وكان مظهر فى ما قبل قد ترجم رواية «الضحية» لطاغور، ونشرها عام 1928.

كل ذلك قليل من كثير، أولاه المثقفون المصريون للهند وكتابها وقادتها السياسيين، وعلى الأخص زعيمهم العظيم المهاتما غاندى، الذى ظل موجودا وفاعلا ومؤثرا لوقت طويل فى أجيال مصرية متعاقبة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف