الوطن
د. محمود خليل
مصر والمملكة و«حلب»
التصويت المتناقض من جانب مصر لصالح القرار الفرنسى ثم لصالح القرار الروسى المتعلق بالأوضاع فى حلب أثار غضب المملكة العربية السعودية. من المعلوم أن روسيا تحارب فى سوريا دفاعاً عن نظام «بشار الأسد»، فى حين ترى المملكة أن إنهاء المأساة السورية يقتضى أول ما يقتضى الإطاحة بـ«بشار»، ومن هذا المنطلق تدعم الدولة السعودية القوات المحاربة للنظام هناك. القرار المصرى أفزع المملكة، لكنه فى كل الأحوال كان متوقعاً، فالسلطة الحالية فى مصر تريد لـ«بشار» الاستمرار، من منطلق أن من يناوئه فى حلب وغيرها من المدن السورية ميليشيات إسلامية إرهابية مدعومة من خارج سوريا.

من حق السلطة المصرية أن تتخذ ما تراه من قرارات، المهم أن تكون القرارات محسوبة، ومحسوبة بدقة، طبقاً لمعادلة المصالح. ولا يخفى على أحد أن التصويت المصرى فى مجلس الأمن أحدث زلزالاً فى المملكة، رغم أنه كان معلوماً بالضرورة من استقراء مواقف مصرية سابقة من المسألة السورية. المملكة أوقفت -بداية شهر أكتوبر الجارى- ضخ الشحنات البترولية التى وعدت بتزويد مصر بها لمدة خمس سنوات. وزارة البترول أصدرت بياناً ذكرت فيه أنها لم تتلقّ إشعاراً رسمياً من المملكة بوقف الإمدادات البترولية، لكنها أعلنت أنها بصدد التعاقد على كميات إضافية من الوقود لتأمين السوق الداخلية. ولا خلاف على أن العبارة الثانية فى بيان وزارة البترول (التعاقد على كميات إضافية) تعنى أن السعودية أوقفت فعلياً تزويد مصر بالبترول. رد فعل طبيعى، لكن هل من الممكن أن يتمدد رد الفعل أكثر من ذلك؟!

ربما كان ذلك وارداً بنسبة أو بأخرى، فهناك أحاديث حالية عن الاستغناء عن العمالة الأجنبية التى تجاوزت سن الأربعين بالمملكة، ولا خلاف على أن تفعيل قرار كهذا سوف يضر بقطاع لا بأس به من المصريين العاملين فى السعودية أشد الضرر، وهناك أحاديث سابقة عن وقف جسر المساعدات الدولارية التى اعترفت الإدارة الحالية بالحصول عليها من المملكة وعدة دول خليجية عقب ثورة 30 يونيو. ومن المعلوم أن الخليج كله مضبوط على ساعة يد المملكة. يحدث ذلك فى الوقت الذى تجد فيه مصر نفسها فى أشد الحاجة إلى الدولارات حتى تستطيع الوفاء بشروط صندوق النقد الدولى التى أعلنت عنها «كريستين لاجارد» -بالتزامن مع تصويت مصر لصالح القرار الروسى- بأن قرض الـ12 مليار دولار لن يبت فيه إلا بعد اتخاذ قرار من جانب الحكومة المصرية بتعويم الجنيه وخفض الدعم. يحدث هذا فى وقت تجاوز فيه سعر الدولار فى السوق السوداء 14 جنيهاً.

سؤالان جديران بالطرح فى هذا السياق، أولهما: «كيف يمكن أن يكون مستقبل العلاقة بين السلطة الحالية فى مصر والسلطة الحالية فى المملكة؟»، وثانيهما: هل لـ«بشار الأسد» مستقبل فى سوريا؟

الإجابة عن السؤال الأول محسومة، فقد بدأت العلاقة بين الطرفين المصرى والسعودى تتوتر بصورة معلنة لا تخفى على أحد، اللهم إلا فى موضوع «تيران وصنافير»!

أما السؤال الثانى فظنى أن الإجابة عنه أن «بشار» ليس له أى مستقبل فى سوريا، لأنه ونظامه جزء لا يتجزأ من المشكلة التى تشهدها الدولة السورية. ومن الصعوبة بمكان أن يكون أحد أسباب المشكلة جزءاً من الحل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف