المساء
مؤمن الهباء
"كراسي" يوسف معاطي
هل شاغلك كتاب في يوم من الأيام؟!
هذا الكتاب شاغلني كثيراً منذ أن ضممته إلي مكتبتي عام ..2010 كلما ذهبت إلي رف القصة نظر إلي وابتسم كأنه يقول أنا هنا خذني.. وأقول له انتظر.. سيأتي الوقت الذي أكون فيه جاهزاً لأن أضحك مع يوسف معاطي وساعتها سيكون دورك.
ثم .. أخيراً جاء الدور.. مددت يدي والتقطت كتاب "كراسي" للمبدع الساخر يوسف معاطي فإذا به شحنة إبداعية درامية من العيار الثقيل.. ومن ثم كان جديراً بأن يصدر عن الدار المصرية اللبنانية في طبعة فاخرة.
في هذا الكتاب يترك معاطي الكراسي التي نجلس عليها لتحكي عنا وتسرد همومنا وهمومها.. تلك الكراسي التي نهملها أو نتعامل معها باعتبار وجودها من طبائع الأشياء دون أن نشعر بأهمية وجودها جعلها يوسف معاطي تخرج عن صمتها وتشعر بآلامنا نحن البشر مادمنا تبلدنا.. وصارت المشاكل والقبح والدمامة جزءاً من حياتنا.. شعرت الكراسي وصرخت وصمتنا نحن.
لكن الكراسي لها رؤية مغايرة لأوجاعنا وإهمالنا في حق أنفسنا وفي حقها.. فهي تسخر منا أحياناً وتتعاطف معنا في أحيان أخري.. وتشكونا وتتذكر تاريخنا ونحن نصر علي نسيانه والتعامي عنه تحت وطأة استلاب المعيشة.. وهو تاريخ وآلام تجعل حتي الحجر يتألم وينطق.
الكتاب طلقة من طلقات يوسف معاطي المدهشة.. وصرخة من صرخاته ضد العشوائية والتخبط.. ضد الدسائس والمؤامرات والخيانات.. ضد المظهرية والفساد والمتاجرة في البشر وبيع البنات الصغيرات للعرب وكثير من الأمراض التي تفشت في مجتمعنا خلال سنوات الركود الطويلة.
في فصل "كرسي خشب والقعدة قش" يتحدث ذلك الكرسي وهو ملقي في إحدي كافتيريات المهندسين عن صفقة بيع بنت لثري خليجي.. يمتعض الكرسي من طريقة الفصال وعرض البضاعة.. حتي أننا نتمزق معه إشفاقاً علي هذه الأنثي الخجول التي تساق كالنعاج إلي الذبح.. ثم نفاجأ بأن هذه ثالث مرة تباع فيها بعلمها.. وأنها في كل مرة تجري ترقيعاً لغشاء البكارة.. فيصدمنا الكرسي ويوسف معاطي معا في اعتراض صارخ علي فسادنا نحن الذين بعنا أنفسنا وأخلاقنا وضميرنا.. ثم نصرخ ضد فساد نخبتنا.
كل كرسي من الكراسي العشرة التي ضمها الكتاب يحكي حكاية أشد ألماً وأكثر فضحاً من سابقتها.. فالكرسي الطلياني يدخل بنا إلي عالم محدثي النعمة الذين أصابهم الثراء فجأة.. ومدي قبح مظهريتهم حينما تتأمله إحداهن وهو غاية في الشياكة فتعترض علي لونه.. وتجلس عليه في المحل فيتقيأ من رائحة عطرها الرخيص وطريقة كلامها البلدي وهي تتكلف وتتصنع الارستقراطية ولا تجيد في الحياة شيئاً غير الشراء.. وفي النهاية يستقر الكرسي في مكاتب أحد الوزراء الذين مضي علي استوزارهم ربع قرن.. وفي أول مؤتمر صحفي يعقده الوزير احتفالاً بتجديد الثقة فيه يسأله صحفي عن تجديد ديكورات مكتبه التي تكلف خزينة الوزارة الملايين كل عام فيدعي الوزير أن مكتبه لم يجدد منذ ربع قرن وأن هذا الكرسي لايزال معه منذ القدم وأنه أحضره من بيته ـ ثمنه 35 ألف جنيه ـ وفي النهاية يعين الصحفي الذي يكتب كثيراً عن فساد الوزير مستشاراً صحفياً لدي الوزارة في الوقت الذي تشتري فيه زوجة الوزير اثني عشر كرسياً من النوع نفسه علي حساب الوزارة لشقتها في الساحل الشمالي.
وهكذا مع كل كرسي نتعرف علي حكايات الفساد والدعارة والقبح التي تملأ حياتنا.. وهي حكايات لا تعرفها إلا الكراسي.
بقي أن أشير إلي أن الفنان عادل إمام الذي مثل العديد من سيناريوهات يوسف معاطي مثل "السفارة في العمارة" و"عريس من جهة أمنية" و"الواد محروس بتاع الوزير" كتب مقدمة للكتاب تعرف منها كواليس علاقته مع يوسف معاطي.. والمشكلات التي صادفتهما مع الرقابة لتنفيذ هذه الأفلام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف