المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
واختفت الأحزاب من حياتنا!
رغم كل المشاكل التى تعترضنا- هذه الأيام- فى الداخل والخارج.. لم نسمع شيئاً من كل الأحزاب التى يتجاوز عددها المائة حزب.. حتى الحزب الذى يعتبره البعض هو الحزب الحاكم، لم نعرف رأيه فيما يجرى من أحداث.. وضع «على البيعة» كل الأحزاب الأخرى.. وكأن ما يحدث ويعانى منه الناس ليس فى مصر.. بل فى مجاهل أفريقيا.

وإذا كان عندنا- ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١- ٢٤ حزباً، فإن عندنا الآن أكثر من ١٠٠ حزب.. فهل أصبحنا نتهكم على هذه الأحزاب ونتحدث عنها وكأنها أحزاب العدد فى الليمون؟.. وإذا كانت هذه الأحداث لم تحرك أحداً فى هذه الأحزاب.. فمتى تتحرك الأحزاب.. وتساهم ولو برأى فى حل قضايانا؟.. أم يا ترى لا نسمع شيئاً من وعن هذه الأحزاب إلا أيام الانتخابات البرلمانية التى أفرزت لنا برلماناً ينام فى البصل وليس فى العسل.. أو انتخابات المحليات، وهى على الأبواب.. فهل نقرأ الفاتحة على العمل السياسى.. أم نقرأها على شواهد قبور كانت يوماً ما تسمى أحزاباً؟

إن العمل الحزبى يشارك- فى الدول الأخرى- فى كل الأعمال: سياسية واقتصادية واجتماعية.. ليس فقط ليقول لمؤيديه إنه لايزال موجوداً على الساحة.. ولكن لأن القاعدة تقول بمشاركة الأحزاب فى العمل السياسى، سواء كان هذا الحزب يتولى الحكم، أو خارج السلطة.. حتى يقدم نفسه للناخبين عندما يحين موعد أى معركة انتخابية.. أم أن أحزابنا «أحزاب موسمية» نسيت دورها الذى أراه حيوياً وهى خارج السلطة عن دورها ولو كانت مشاركة فى الحكم.. لأن الحزب- هكذا أعلم- يكون أكثر نشاطاً بين الجماهير، عندما يكون خارج السلطة.. أى يستعد للوصول للحكم عند أول انتخابات.

إلا أحزاب مصر.. ولذلك يكاد الناس ينسون أن فى مصر أحزاباً، بل نتحدى أن يذكر لنا رؤساء الأحزاب العدد الحقيقى للأحزاب فى مصر.. بل يذكرون لنا- وهم قادة أحزاب- أسماء هذه الأحزاب.. وليس فقط أحزاب رؤسائها.. أم أن منهم من يزاول العمل الحزبى نوعاً من الوجاهة الاجتماعية.. ليس أكثر.

مثلاً كل تلك المشاكل التى تواجه الأمة.. ماذا تقول فيها هذه الأحزاب: من قضايا الغلاء والأسعار.. إلى قضايا نقص السلع الحيوية من أرز وسكر وزيت.. إلى بوتاجاز ووقود.. إلى مأساة العملة الوطنية أمام الدولار، إلى فساد المحليات وقانونها الذى لم ير النور، رغم أن الانتخابات على الأبواب.. بل لم يقدم لنا حزب واحد تصوره لحل واحدة- مجرد واحدة- من المشاكل التى تعترض الوطن من طول معركة التصدى للإرهاب، وهى واجب على كل مصرى وليست مجرد مسؤولية الحكومة وحدها.. ولم يشرح لنا أى حزب رؤيته لقضايا التعليم «الذى كان»، وكيف يمكن إنقاذه.. ولا الصحة ونقص مياه الشرب.. وقضايا الصرف الصحى.. والتسرب من التعليم.

أيضاً لم نسمع رأياً من هذه الأحزاب عما تقوم الحكومة بتنفيذه من مشروعات كبرى، فالحكومة تقرر ثم تبدأ التنفيذ.. دون أن تشرح للناس مصادر تمويل هذه المشروعات.. بعد أن تشرح للشعب ضرورتها.. فهل هذه الأحزاب تعرف حقيقة ما يجرى؟

ثم تلك القضية شديدة الحساسية الآن، وأقصد بها ما يجرى تحت السطح بين مصر والسعودية.. وهما أكبر الدول الصامدة الآن وسط غياب عربى كامل عن العمل العربى المشترك من دول مثل المغرب والسودان وموريتانيا ولبنان وعُمان.. بعد أن ضاعت، أو كادت، دول تضيع مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس.. ودعونا من الصومال وجيبوتى وجزر القمر!!

■ ■ ألا تستدعى كل هذه الأحداث أن تتحرك الأحزاب.. لا نقول كلها.. بل الأحزاب المؤثرة.. التى «كان» لها تاريخ نضالى رائع على مدى العقود الماضية.

■ ■ ألا تتداعى هذه الأحزاب إلى مؤتمر قومى عاجل وقوى يناقش كل هذه المشاكل والقضايا التى يمكن أن تدمر حاضر الأمة المصرية كلها؟.. أم أن الأحزاب- كلها- تركت الأمور، كل الأمور، فى يد الحكومة، فلا تناقشها أو تشارك فى حوار مجتمعى شامل مطلوب منها الآن؟

■ ■ أم أن الأحزاب فقدت قدرتها على التحرك وصارت مجرد مقار لا أكثر، ولافتة تحمل اسم الحزب.. أم ماذا؟.. ولماذا السكوت إلى درجة الاستسلام وترك الأمور للحكومة تفعل ما تشاء.. رغم قناعتنا بأن رئاسة الدولة لا يشكك أحد فى وطنيتها.. ولا فى رغبتها فى الحل؟

تلك قضية أراها بصورة أخرى: إما تشترك الأحزاب فى العمل السياسى كما يجب.. وإما نعلن وفاة النظام الحزبى الليبرالى فى بلد عرف البرلمانات منذ قرن ونصف القرن من الزمان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف