عاد الخطاب الإعلامى المصرى لحالة مشابهة لما كان عليه فى فترة ما بعد فبراير 2011.. عاد بنفس الأدوات.. نفس المنهج.. نفس السياق.. تلك الفترة الذى غلب فيها الصوت العالى صوت المنطق.. وهزمت فيها الشائعة الخبر الصحيح.. وتراجعت فيها المهنية أمام حسابات السوق.. وملخصها أن «الزبون دايماً على حق».. و«اللى عايز يسمعه الزبون هو اللى يتقال».. تلك المرحلة التى كانت فيها الخصومة مع الدولة بطولة.. وإهانة رموزها شجاعة.. وتدمير مؤسساتها منتهى الوطنية.. وإهانة الجيش وتسميته بالعسكر وجاهة إعلامية.
هذا ما حدث ولكننا ننسى.. وهذا ما يحدث ولكننا لا ننتبه، أى طرف فى العمل الإعلامى الآن لديه مبررات أن يفرح بعودة هذه الحالة لأن المنظومة التى ينتمى إليها تعود كجماعة ضغط ومركز قوى وبالتالى يعود رجال الأعمال لمباشرة استثمارهم فى الإعلام الذى يحفظ استثماراتهم الأخرى، وبالتالى تترجم هذه الحالة إلى أموال ونفوذ وشهرة وبطولة أيضاً قد يدعيها البعض قريباً.. وهذا الأمر منطقى لمن يعمل على مشروعه الشخصى، أما من ينظر إلى مشروع الوطن.. مشروع ثورة يونيو.. فعليه أن يشعر بقدر كبير من القلق عن المصير المكتوب الذى ستقود إليه هذه الحالة إذا مضت فى معدلات نمو متوقعة.
بون عميق بين حرية الرأى والفوضى باسم حرية الرأى.. فارق كبير بين العمل الإعلامى والعمل السياسى.. تابع برامج التوك شو فى مصر على مدار الأسبوع الماضى ستجد عملية تدمير منظمة لهدم المشاريع القومية فى الذهن الشعبى.. ما الهدف النهائى منها؟ أن نحكم على السيسى بالفشل.. هل هذا هو المطلوب؟ إفشال الرجل.. إحباطه.. التشكيك فيه.. والوصول لمرحلة أن البناء فى مصر أصبح جرماً يستوجب المحاكمة الشعبية يومياً على شاشات التليفزيون؟
هل هو انتقام من «السيسى» لأنه أصر على أن يكون رئيساً غير محمل بفواتير لأحد، فى الوقت الذى ظن فيه البعض أن من حقه قدراً من الشراكة فى الحكم مكافأة على دوره فى ثورة يونيو؟.. أم تحميل «السيسى» بفواتير مبكرة لأزمة السداد فى فترة رئاسته الثانية إذا قرر التقدم للانتخابات المقبلة؟ أن تكون المحصلة لن تمر إلا من هنا.. ولن تصل إلا من خلالنا.
وهل الرئيس السيسى شخص فى موقع المسئولية أم ترجمة لمشروع الدولة المصرية كلها؟ وهل هناك من يحاول فصل السيسى عن مشروع يونيو جماهيرياً؟ السيسى وثورة يونيو ليسا وجهين لعملة واحدة.. ولكن نفس الوجه لذات العملة من نفس المعدن.
واقعياً ظلمت الإدارة السياسية نفسها عندما فرطت فى حقها بأن يكون لها حزب سياسى قوى منتشر فى كل المحافظات يمثل أداة اتصال بشرية بين فكر الحكم ورجل الشارع.. حزب كاشف للكوادر ودافع لها ويعيد استراتيجية الشارع من مشهد الفرجة على الرئيس لمشهد مشاركة الرئيس.
والآن يبتعد الإعلام خطوات عن الإدارة لفرض قواعد وتوازنات جديدة فى المعادلة.. وبالتالى تفقد الإدارة حلقة الاتصال الثانية بالشارع، ومن ثم خلق طبقة عازلة بين الرأى العام والإدارة السياسية.. وهو أمر يستدعى الانتباه إذا كنا بحق نؤمن بمشروع ثورة يونيو.. هذا المشروع يمر الآن بمنعطف خطير ويستحق الإنقاذ دون مبالغة.