كانت الساعة قد جاوزت الواحدة والنصف صباحاً وأنا في طريق عودتي إلي حدائق حلوان.. كنت أردد بداخلي اغنية فيروز (مصر عادت شمسك الذهب). استعيد كلماتها بفخر حقيقي.. بعد الذي حققناه من انتصار مدو فاجأ العالم.. وكانت قواتنا قد بدأت معركة جانبية بعد المحاولة اليائسة للصهاينة من خلال ثغرة استماتوا في تحقيقها.
- كنت عائداً لألحق بالسحور بعد انتهاء عرض مسرحية (علي الزيبق) الذي بدأناه في 1972 ومازال يعرض والحرب قائمة في 1973 هذا العرض كان يحمل رغم ما فيه من أسي ومرارة.. دعوة إلي اليقين بحتمية خروجنا من محنة الهزيمة المروعة.. نعم كان هذا العرض يحمل بشارة باستحالة الاستمرار بهذا الانكسار وكما ينشد ختام هذا العرض بشكل مباشر.
- كنت معتاداً في ليالي رمضان هذه ان اوقظ زوجتي للسحور.. لكني وجدتها مستيقظة في قلق تنتظر عودتي سألت ما الامر؟ مدت يدها في صمت.. إنه استدعاء احتياط. كنت علي قوة الاحتياط مازلت - وبكت كان ردي: كيف اكون صادقاً حقاً فيما أكتب أو فيما كتبت تحديداً في علي الزيبق كيف لا اشارك عن قناعة ورضا في حرب كنت أحد المبشرين بها أذكر أن كل ما ساورني من قلق حينها ان ينطوي استدعاء الاحتياط عن شيء لا أعلمه نا ل من هذا الانتصار وايضاً قلقي من ترك زوجتي وحدها مع طفلنا الأول - وائل وكان في الثالثة - والأهل بعيدون موزعون ما بين دمياط والاسكندرية وفي الصباح كنت بمنطقة (الجبل الاحمر) ضمن قوات تنتظر اشارة بالتحرك إلي الجبهة.
كان هذا هو ارتباطي المباشر بحرب أكتوبر العظيمة.. هذا الاستدعاء.. وهذه المسرحية!
- اما المسرحية فنبدأ بها وبعلاقتها بهذه الحرب. وقد تلقفها مني صديقي العزيز المخرج (عبدالرحمن الشافعي) ليقدمها علي مسرح السامر بعد صدمتي في مسرحية (اليهودي التائه) إخراج الراحل د. محمد صديق بمسرح الحكيم حيث تم إيقاف عرضها بناءً علي ما رأته لجنة كان يرأسها دكتور رشاد رشدي رحمه الله فجاء عرض علي الزيبق كعزاء رباني عن إيقاف أول عمل لي علي مسارح الدولة وكانت الزيبق تحمل نفس الانشغال بقضيتنا مع العدو التاريخي لنا ولكن علي نحو مختلف يطرق ابواب السير الشعبية.
- تتعامل المسرحية في جزئها الأول مع نوادر علي الزيبق في محاربة سنقر الكلبي مقدم الدرك في مصر المملوكية ولكن علي بكل نوادره يسقط.. تنتهي محاولته الفردية في مقاومته الظلم والقهر بالفشل.. رغم تعاطف العامة معه بشدة.. لكنه تعاطف دون مشاركة له في تلك المقاومة.. رغم أنه يتوقع أنه سيحركهم بنوادره ويتباهي بانتمائه لهم كما في خطابه للكلبي (أنا ابن كل الناس.. إللي إنت ما تعرف حقيقتهم.. ح يجي يوم وتعرفهم) لكن هذا اليوم لا يأتي!.. وتتكشف له الحقيقة حين يسقط في يد الكلبي بخدعة من دليلة التي أحب ابنتها فينادي الناس من فوق منصة الإعدام (.. لحظات يا كلبي والوش الحقيقي يبان.. والحجارة في باب زويلة تقول كلام.. وتردد الكلمة الغورية والبواكي والرميلة) وينتظر دون رد فيصبح (انتوا فين.. قوموا انتوا فين؟!).. لكن ويا أسفاه.. يا مصر آه.. وتكون صرخته تلك الأخيرة قبل أن تنقذه أمه - فاطمة بنت بري.. وتسأله (كنت عايز إيه بكل اللي عملته؟! تشيل من قلوب الناس الخوف؟ طب شلته بنوادرك يا علي؟ كونك أهنته.. لعنته؟ أمال ما حدش منهم مد إيده ينقذك ليه؟) وحين يطلبه السلطان ليستخدمه بمنصب بعد نجاحه في سرقة خزائنه - وإن كانت مغامرة فردية إيضاً إلا أنه تعلم فيرد علي السلطان عطيته رافضاً (أيوه يا مولاي أنا برفض المنصب. برفض الارض إللي أنا واقف عليها.. برفض غربتي فيها.. برفض الأيام اللي جابتني اللي ورتها وورتني وفقدت وياها النظر.. أنا برفض الماضي وبرفض كل شيء حاضر وما في مستقبل هناك.. أنا برفضك يا علي) إنه أقرب إلي حس الفجيعة الذي تلبس الكثيرين منا إثر النكسة والذي يمتزج باحساس حاد بعبثية كل شيء وخاصة حين يجيئه صديقه الشاعر نجم مبهوراً بما فعله مع السلطان فيرد (كل ده عبث كل شيء عملته طائش وبالصدفة ووضريروأبويا أنا طلع حسن) - لم يكن يعرف حقيقة أبيه حسن رأس الغول الذي قتله الكلبي غيلة فيصر نجم علي أن يبعث فيه الأمل فيجيب (أنا من أمل كان ممكن أقع من أول ملعوب مع الكلبي وبالصدفة.. وكأول حب شفته طلعت بنت أفعي.. لحظة الحب الوحيدة يا علي في عالم الاوغاد ولحظة دمار.. الحلقة مقفولة.. العالم أصبح في عيني عربي ممسوح الملامح).
ثم فجأة يأتي الأمل والرد الصحيح كيف؟
- تأتي الاخبار عن زحف الهمج من الشام نحو مصر.. وهنا تتحرك الجماعة المصرية لترد علي مالحق الجميع من هوان سلبية وما لحق بعلي من إحباط ورؤي عبثية ونكمل لاحقاً بما بشرت به هذه المسرحية ثم نعود إلي حديث عن أكتوبر من لحظة استدعائي للحرب ما بعدها.