الوطن
د. محمود خليل
مطلوب استفاقة قبل فوات الأوان..!
سمة عجيبة تميز الأداء المصرى، ترتبط بالتعلل، حين الفشل، بأسباب غير موضوعية، بعيدة كل البعد عن الأسباب الأصيلة التى أدت إلى السقوط فى بئره. نهزم فى إحدى مباريات كرة القدم، فنأخذ فى الحديث عن الحكام الظلمة الذين انحازوا إلى الفريق المنافس، وأرض الملعب التى لم تكن ممهدة بالقدر الكافى لإظهار «حرفنة» نجومنا، والجمهور المتعصب الذى ظل يهتف ضدنا طيلة المباراة، والهواء الذى كان مع الفريق المنافس فى الشوطين، وهكذا.. والمسألة لا ترتبط بقضايا الشأن العام وفقط، بل كثيراً ما يلعب الفرد هذه اللعبة مع نفسه، تجد الطالب حين يفشل فى اجتياز امتحان، يتعلل بالأستاذ المعقد الذى وضع الامتحان، والمراقب «الغلس» الذى ظل يطارده حتى لا يمارس حقه فى الغش، والمراوح أو التكييف الذى لا يعمل فى فصل تصهر حرارة الجو من فيه.

إنها واحدة من آليات الدفاع النفسى فى حالة الفشل، ولست أجد مثالاً صارخاً على هذه الطريقة المصرية فى الأداء أبلغ من الخطاب الإعلامى المصرى الذى تعامل مع الأزمة الحالية فى العلاقات المصرية السعودية. فقد تم نقل الموضوع من ملعب عدم جودة الأداء فى إدارة هذا الملف من ملفات العلاقات الخارجية المصرية، إلى ملعب الكرامة الوطنية. فخرجت بعض الأصوات تطنطن بشعارات شديدة العجب مثل «مصر لن تركع»، و«لن يستطيع أحد لوى ذراع مصر»، وغير ذلك من عبارات حولت الموضوع من ملعب عدم الإجادة فى إدارة ملف إلى ملعب كرامة مصر والمصريين، وبالتوازى مع ذلك تحولت بعض البرامج الإعلامية إلى ما يشبه فرح العمدة، وتمت دعوة المشاهدين إلى النزول بالنقطة، لتتعالى السلامات بعد ذلك من جانب مقدمى البرامج!.

والسؤال: هل هذه الطريقة فى الأداء يمكن أن تواجه فى هذه المشكلات؟. بالطبع «لا». على العكس تماماً تؤدى هذه الطريقة إلى مفاقمة المشكلات بدرجة أعلى. بعد هزيمة 1967 خرجت أبواق الإعلام -والسياسة أيضاً- تتحدث عن تحالف قوى الإمبريالية والاستعمار العالمى لإجهاض تجربة مصر فى التنمية، والقضاء على حلم القومية العربية، ورغم التحقيق فى أسباب الهزيمة، فإن الأحكام التى صدرت ضد القيادات التى قيل إنها تسببت فى الهزيمة كانت هزيلة للغاية، الأمر الذى دفع الناس إلى التظاهر شجباً وتنديداً بخفتها. ظلت الأمور على هذا النحو حتى ظهرت بعض الأصوات العاقلة مثل صوت الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين، وكتب سلسلة مقالات عنونها بـ«الدولة العصرية»، ذهب فيها إلى أن تخلف الأداء فى مصر هو السبب الأكبر للهزيمة. فى اللحظة التى آمنت القيادة فيها بذلك، بدأ جمال عبدالناصر -رحمه الله- يعيد بناء القوات المسلحة، ويخوض حرب الاستنزاف، واستكمل الرئيس السادات رحلة استعادة الأرض من بعده، فى حرب أكتوبر المجيدة.

نحن فى حاجة إلى استفاقة قبل فوات الأوان، استفاقة نفهم فيها أن الدولة والمجتمع والسلطة والمواطن العادى شركاء فى دفع هذا البلد إلى طريق لا يعلم مداه إلا الله، إذا لم نشطب من ذاكرتنا فكرة «البحث عن شماعات» و«التعلل بحجج غير موضوعية» عند مواجهة أية مشكلة. دعنى أكرر لك: علينا أن نفعل ذلك قبل فوات الأوان.. الوقت الباقى قليل!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف