جمال سلطان
من يدعم الإرهاب في سوريا ؟!
يرتكز الخطاب الرسمي المصري في موقفه المشين تجاه محنة الشعب السوري على فرضية أن نظام بشار الأسد الدموي الإجرامي يحارب الإرهاب في سوريا ، وأن أزمة سوريا تتلخص في الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ، وهذا ما يردده إعلام الأجهزة هنا في القاهرة ، والمؤسف أن هذه رؤية شديدة السطيحة تجاه أزمة سوريا ، ويكفيك بسهولة شديدة أن تنظر إلى أولويات الهجوم السوري والروسي الأخير بالطيران والصواريخ والمدفعية وحرق المدن ، إنه لا يتجه إلى "الرقة" عاصمة داعش الإرهابية ، ولكنه منصب فوق رأس "حلب" عاصمة الثورة ، وأيقونة صمود الشعب السوري في وجه الديكتاتور ، فالمستهدف هي الثورة والشعب وتركيعه وليس الإرهاب ، وبشار هو المستثمر الأكبر في الإرهاب ، وليس هو الذي يحارب الإرهاب . عندما قامت ثورة الشعب السوري في العام 2011 ، بالتوازي مع ثورة الشعب المصري والتونسي والليبي واليمني ، فيما عرف بالربيع العربي ، كان شباب سوريا الرائع مثل شباب مصر وشباب ثورة يناير ، يرفعون اللافتات في الميادين ، ويغنون ويرقصون شوقا للحرية وسلاحهم هو "الدبكة" الشامية المعروفة ، ولافتات القماش التي يحمل بعضها معاني فكاهية وطريفة ، أشواق بريئة للحرية والكرامة بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد والمعتقلات والإقصاء وسيطرة أجهزة أمنية وحشية على كل تفاصيل الحياة في سوريا ، لم تكن هناك داعش ، بل لم تكن داعش قد ولدت أصلا ، لكن كان هناك منظومة إرهابية رسمية أكثر وحشية من داعش ، فأمر بشار الأسد بنزول الدبابات ـ ليس للتهويش ـ بل لضرب أطفال المدارس بالذخيرة الحية وكل من ينزل إلى الميادين يرقص أو يغني أو ينشد للحرية يتم سحقه تحت جنازير الدبابات ، وتلك مشاهد محفوظة بعضها الآن بالصوت والصورة لمن أحب ، وصمد الشباب السوري طويلا أمام تلك الوحشية ، لكن الطاغية أوغل في الدم والكراهية مدفوعا بأحقاد طائفية وفزع من أن تنتزع الأغلبية الحكم ، وهي مسألة مفضوحة من عهد أبيه وكان الرئيس السادات رحمه الله قد أعلنها واضحة صريحة في خطاب تاريخي شهير له . وبدأ الديكتاتور بشار الأسد يستعين بتنظيم حزب الله الشيعي اللبناني المتطرف ليساعده على قمع الشعب السوري ، فبدأت انشقاقات تحدث في الجيش النظامي من فرط ما رآه الجنود والضباط من الدماء والوحشية ، وخرج آلاف من الجنود والضباط رفضا لقتل السوريين والمتظاهرين المدنيين ، وبدأوا يشكلون بداية ما يعرف بالجيش السوري الحر ، واتسع نطاق الانشقاق ، وانكسرت شوكة الديكتاتور الدموي حتى وصل الثوار إلى أبواب العاصمة دمشق وأصبح حكمه يترنح ، فلجأ إلى استحضار الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني ، ثم استقطب المنظمات الشيعية الإرهابية من العراق مثل ما يسمى عصائب الحق وغيرها ، ومن أفغانستان ، وحول بلاده إلى ساحة للفوضى المسلحة ، فنتج عن تلك الفوضى شقوق تمددت فيها جماعات دينية متشددة ، كانت بالعراق أساسا ، ثم تسللت في الفوضى إلى سوريا ، فكانت داعش وكانت النصرة ، وهناك عشرات الأدلة على أن قادة تلك المنظمات كانوا حلفاء للاستخبارات السورية ، نسق معهم ولعب بهم بشار في العراق في وجه الأمريكيين عندما خشي أن يبطشوا به بعد صدام ، وحتى وقت قريب كان بشار يتاجر في النفط مع داعش ، وداعش والنصرة هما تنظيمان من بين أكثر من عشرين تنظيم ثوري مسلح في سوريا لم تصنف الأمم المتحدة أيا منهم ككيانات إرهابية ، فقط صنفوا داعش والنصرة ، وداعش تحديدا تحارب ثوار سوريا والجيش الحر أكثر مما تحارب جيش بشار . هناك إجماع دولي الآن على أن بشار الأسد ودمويته وإجرامه وطائفيته هي التي مزقت سوريا ، وهي التي تجعل التراب السوري معرض للتفتت والشعب للتشرذم ، وبالتالي هناك إجماع دولي ـ باستثناء حلفاء بشار الشيعة ومعهم روسيا لحسابات خاصة بها ـ على أن استمرار وجود بشار هو كارثة على المنطقة والعالم ، وأن الحل في سوريا يبدأ بإبعاد هذا الطاغية الذي قتل نصف مليون إنسان من شعبه وشرد نصف الشعب تقريبا في أنحاء الأرض ، حوالي ثمانية ملايين سوري ، ناهيك عن أعماله الوحشية تجاه مدن سوريا حيث كان يقصفها بالبراميل المتفجرة فحول الكثير منها إلى أطلال مدن وبعض الأحياء سواها بالتراب ، ثم استعان أخيرا بالروس ومنحهم قواعد وحصانات مذلة من أجل إنقاذه واستكمال التدمير لبلاده . باختصار ، إن من يقف إلى جوار بشار الأسد اليوم هو الذي يدعم الإرهاب وهو الذي يغذي الإرهاب وهو الذي يستثمر في الإرهاب وهو الذي يصنع البيئة السياسية النموذجية لاستنبات المزيد من الإرهابيين ، ومن يقف في وجه بشار ويعمل على إزاحته هو ـ في الحقيقة والجوهر ـ الذي يواجه الإرهاب وهو الذي يقدم حبل الإنقاذ لسوريا ، شعبا ودولة ، وهو الذي يحمي المنطقة من نيران التشرذم والعنف والإرهاب ، وأن وجود بشار ليس ضمانة بقاء الدولة ، بل هو ضمانة بقاء الإرهاب . الذي ثار على بشار الأسد في سوريا لم تكن داعش ولكنهم شباب سوريا بصدورهم العارية ، والذين قتلهم بشار بالدبابات في شوارع وميادين دمشق وحلب وحمص وحماة لم يكونوا دواعش وإنما طلاب مدارس وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وصحفيين ، في سوريا قضية شعب يباد ، وطاغية ورثه أبوه السلطة بتغيير الدستور خلال نصف ساعة في انتخابات مزيفة حصل فيها الولد الصغير على 99% وهي النكتة العربية الشهيرة التي أصبحت مضرب الأمثال على تزوير إرادة الشعوب وحتى احتقارها ، في سوريا قضية حاكم خان وطنه وباعه لحلفائه الطائفيين ثم باعه من جديد للاحتلال الروسي ومنحهم الحق المطلق في بناء ما يشاءون من قواعد ومطارات ، في سوريا جريمة إبادة بشرية على يد نظام طائفي إجرامي لا يليق بأي دولة محترمة أن تقف إلى جوار مرتكبها أو أن تبرر له جريمته .