عبد الغفار شكر
نحو ديمقراطية الحركة العالمية لحقوق الإنسان
اقترحت فى المقال السابق ان يكون للاتحاد العام للجمعيات الاهلية دور اساسى فى تطوير المجتمع المدنى وزيادة فاعليته من خلال انشاء آلية يكون لها الدور الاساسى فى قيادة ومتابعة انشطة المجتمع المدني، وتأسيسا على هذه الفكرة اقترحت استبدال الاشراف على الجمعيات الاهلية من وزارة التضامن الى الاتحاد العام للجمعيات الاهلية وان ينتهى بذلك اى دور للسلطة التنفيذية فى مراقبة الجمعيات الاهلية. وبهذا الاقتراح سوف تكتسب حركة المجتمع المدنى فى مصر بعدا ديمقراطيا ومزيدا من الاستقلالية حيث سيكون الاشراف والمتابعة لهذه الحركة لهيئة منتخبة من مختلف المنظمات والجمعيات وهى الاتحاد العام للجمعيات الاهلية. ومن خلال الممارسة سوف تتدعم هذه الاستقلالية وتتحول علاقتها بالسلطة التنفيذية الى الشراكة بديلا عن التبعية فنقطع بذلك شوطا على طريق التكامل بين شركاء التنمية الثلاثة الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. مع التأكيد على اهمية ان تكون انتخابات الاتحاد العام للجمعيات الاهلية حرة وتعبر نتائجها عن اتجاهات الجمعيات المكونة للاتحاد. ومن الواضح ان هذا التوجه نحو مزيد من الديمقراطية والاستقلالية للحركة الحقوقية يجرى على المستوى العالمى ايضا حيث تغير اسم لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ليصبح (التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان) وهو ما يصحبه فى الوقت نفسه تغيير فى الرؤية تجاه المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان، والعمل على دعم دورها فى تعزيز وحماية حقوق الانسان وهناك اتجاه عالمى تشارك فيه المؤسسات الوطنية العربية بان يكون بناء هذا التحالف على اساس ديمقراطى وبحيث تكون السلطة فيه نابعة من الجمعية العامة للتحالف التى تضم كل المؤسسات الوطنية والقومية والتى يتجاوز عددها حاليا 100 مؤسسة. ومن المهم تعزيزا لهذا التوجه اعادة النظر فى بعض الاوضاع الحالية التى تسمح لعدد قليل من الدول ان تتحكم فى نشاط التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية وهو ما يمكن تجاوزه بتأكيد مبدأ الشراكة فى الحركة العالمية لحقوق الانسان وبحيث تكون هذه المؤسسات الوطنية والقومية شركاء فى هذا التحالف ويمكن للمؤسسات الوطنية (مثل المجلس القومى لحقوق الانسان فى مصر والمجالس العربية) ان يتقدموا للترشيح لعضوية اجهزة التحالف مثل هيئة المكتب، واللجنة الفرعية للاعتماد وبذلك يكون من حقهم المشاركة فى اصدار القرارات ورسم السياسات العامة وان يكونوا طرفا فى عملية اعادة تقييم المؤسسات الوطنية والقومية.
سلوك اللجنة الفرعية للاعتماد التى تقوم دوريا بتقييم نشاط المؤسسات الوطنية والقومية واعادة النظر فى تقييمها الذى يتراوح بين (أ) و(ب) و(ج). وقد لوحظ فى هذا الصدد ان اللجنة تعمل بازدواجية فى تطبيق المعايير لدى النظر فى اعتماد او اعادة اعتماد المؤسسات الوطنية، ومثال ذلك الاتجاه الى خفض تصنيف المؤسسة الوطنية فى فرنسا الى الفئة (ب) لوجود ملاحظات على القانون المنشئ لها لكن خفض التصنيف لم يتم لنجاح فرنسا فى الضغط على بعض الاعضاء للتراجع عن ذلك فى حين ان الموقف من اليونان بتغيير تقييمها من (أ) الى (ب) تم تنفيذه لان اليونان لا تملك من المقومات ما يجعلها قادرة على الضغط على بعض الاعضاء للعدول عن هذا الاجراء.
تعتبر قرارات اللجنة الفرعية للاعتماد قرارات نهائية فى تقييم او اعادة تقييم المؤسسات الوطنية رغم ان هذه اللجنة تتكون من أربعة اعضاء فقط واحيانا ينخفض العدد الى ثلاثة فيسهل التأثير عليها ولذلك فانه يجب النص فى وثائق التحالف الدولى على ان يكون من حق المؤسسة الوطنية المعنية الاعتراض على قرارات لجنة الاعتماد وعرض الامر على لجنة اوسع لضمان العدالة فى التقييم.
من المهم ايضا ان يكون واضحا عملية المراجعة الدولية لاوضاع المؤسسات الوطنية وهل هى بمثابة عملية تقويم عام للمؤسسات الوطنية لكى تصبح جزءا من المنظومة الدولية لحقوق الانسان ام انها محاكمة سياسية لكل من المؤسسة الوطنية والدولة ولفرض رؤية معينة لمسألة حقوق الانسان وبذلك يمكن تصحيح ما تتسم به عملية الاعتماد التى لم تعد عملية تقويم عام للمؤسسات الوطنية وانما اصبحت عملية مراقبة للمؤسسة الوطنية ولسلوك الدولة. لتلافى تسييس قرارات لجنة الاعتماد والتأكيد انها مسئولة عن تقويم المؤسسة الوطنية فقط. يضاف الى هذا انه لوحظ فى السنوات الاخيرة انه لم تعد هناك اسس عامة لمعايير اعتماد المؤسسات الوطنية والقومية، وانما هناك تفضيلات واحكام تقديرية يمكن توظيفها فى صالح مؤسسة ما، وضد مؤسسة اخرى، بمعنى استخدام الشىء وضده فى آن واحد. ضرورة مراجعة القرار الذى ألغى دور الاجتماع العام للتحالف فيما يتعلق باعتماد التعديلات على الوثائق الاساسية للتحالف، وقصر ذلك على هيئة المكتب المشكلة من 16 عضوا لتسهيل عملية التأثير فى قراراتها.
من هذا العرض لبعض الظواهر فى المؤسسات الدولية لحقوق الانسان يتضح اننا لا نناضل فقط من اجل تحسين حالة حقوق الانسان فى مصر واضفاء الطابع الديمقراطى على الحركة الحقوقية، وإنما نناضل ايضا وفى الوقت نفسه ضد اى ظواهر سلبية فى الاجهزة الدولية لحقوق الانسان ونتصدى لاى توجه نحو تسييس هذه الحركة.