يوم الخميس الماضي كنا في مسرح الجلاء، نحضر الندوة التثقيفية التي تحمل رقم 23، التي أقامتها القوات المسلحة بمناسبة حرب السادس من أكتوبر. كان آخر ما استمعنا إليه الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي. جاء بعد خطابات كثيرة، سريعة ومختصرة. وشهادات لأبطال أكتوبر الذين ما زالوا علي قيد الحياة. وقد سعدت كثيراً لأنه ما زال بيننا بعض من ضحوا في هذا اليوم قبل 43 عاماً من عمر مصر.
من الذين تحدثوا قبل الرئيس. كان زميلنا: صلاح منتصر. الذي ألقي كلمة مهمة عن دور الإعلام في حياة المصريين. كنت أتصور أنه سيتحدث عن إعلام أكتوبر. لكنه آثر الكلام عن الإعلام في حياتنا. ربما حتي هذه اللحظة التي نحياها. قال صلاح منتصر أكثر من مرة إن عمره كبير. وذكَّرنا بذلك في المرة الثالثة بطريقة فيها طرافة لا نسمعها إلا من صحفي مخضرم مثله. عندما قال إن عمره 40 سنة مضروبة في 2، أي أن الرجل - أمد الله في عمره - قد بلغ الثمانين من العمر. وأنا لا أريد أن أقول له إن الحياة ربما تبدأ في سن الثمانين، لأنه لن يصدقني. ولأن المثل الشائع عن هذه الحكاية يقول إن الحياة ربما تبدأ في سن الستين.
خاطب صلاح الرئيس السيسي قائلاً إنه منذ أيام قليلة كان الرئيس يخطب في شرم الشيخ في مناسبة الاحتفال بمرور قرن ونصف علي بدء الحياة النيابية في مصر. وفي اليوم التالي كان في الخرطوم يجتمع مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير. وفي اليوم الثالث كان مع رئيس وزراء اليونان ورئيس وزراء قبرص يرسي دعائم علاقتهما مع مصر. وفي اليوم الرابع كان يكرم أبطال مصر من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين حصلوا علي ميداليات وكئوس في أولمبياد البرازيل.
قال صلاح منتصر إنه كان يتوقع أن يستريح الرئيس اليوم - الخميس الماضي - لكنه جاء في الوقت الذي من المفترض أن يستريح فيه لكي يشارك قواتنا المسلحة احتفالها بمرور 43 عاماً علي حرب السادس من أكتوبر. أي أن الرئيس جهد يسلمه لجهد، وتعب يسلمه لتعب. وهو أجمل تعب لأنه من أجل راحة أكثر من 90 مليون مصري يمرون بظروف صعبة ومتداخلة. وربما كانت عصيبة.
بلدياتي الدكتور مصطفي الفقي، أحد المرشحين لرئاسة مكتبة الإسكندرية بعد انتهاء مدة الدكتور إسماعيل سراج الدين، تحدث عن الشعب ومساندته للجيش في حرب السادس من أكتوبر، ولأن مصطفي الفقي يصل دائماً لجوهر الحقيقة بسهولة وبساطة ويسر، فقد تحدث عن الجانب الفريد في علاقة الجيش المصري بالشعب المصري، لدينا في مصر تجربة ربما لا نجدها إلا في مصر، لم تتكرر في أي مكان آخر من العالم. وهي تجربة جيش الشعب، وشعب الجيش، واستعرض مصطفي الفقي أمثلة كثيرة لتلك العلاقة الفريدة.
قال مصطفي الفقي في ختام كلمته إن مصر لن تركع أبداً، وقد التقط الرئيس السيسي هذه العبارة ورد عليها عندما تحدث بعدهما، بعد صلاح منتصر ومصطفي الفقي. وقال إن مصر لن تركع إلا لله سبحانه وتعالي.
وقبلهما تحدثت السيدة أم الشهيد، حديثا صادقا صدقاً مخيفاً. وقد صدقتها عندما قالت ثلاث مرات: والله راضية، والله راضية، والله راضية. فابنها الذي حصل علي ليسانس الحقوق كان يريد أن يستشهد دفاعاً عن الوطن. ولم تكتف بالكلام عن ابنها، لكنها تحدثت أيضاً عن الشهيد المقدم أحمد الدرديري، الذي كانت أسرته موجودة في القاعة لتحضر الاحتفال معنا، وربما كانت المرة الأولي التي نشاهد فيها هذا العدد من أسر الشهداء الذين طلبوا أن يصافحوا الرئيس، وأن تلتقط لهم الصور مع الرئيس، وقد استجاب لهم.
كل أسرة شهيد جاءت ومعها صورته، ومعها أيضاً القرآن الكريم لتقدمه هدية للرئيس. ومن المؤكد أن الاستشهاد أعلي درجات الشرف الإنساني والكرامة الإنسانية، وأن أقل ما نقدمه للشهيد أن نتذكره، أن نحييه بداخلنا، أن نحاول استعادته، أن نعبر عن امتناننا له وحبنا لما قدمه من خلال أعمال فنية تنتج من أجل هذا.
الخطاب الذي ألقاه الرئيس السيسي كان مرتجلاً، وربما كان الخطاب من أفضل الخطابات التي ألقاها الرئيس علي مدي عامين، ولقد لاحظت وجود مفردات جديدة لم أسمعها منه من قبل، كررها أكثر من مرة، قال كلمة أدبيات في وصف حالات كثيرة أكثر من مرة. وقال أيضاً من المفردات التي يكثر من استخدامها عندما يتحدث. قال: خلي بالكو. وهو يقولها وكأنه يريد أن يقول: خلوا بالكو من مصر. وخلوا بالكو من المصريين. وخلي بالك تعبير من تعبير المصرية العامية الجميلة التي تنبه المصري لما يجب أن يتنبه له.
ثمة مفردات أخري كثيرة، لكنني وصلت لنهاية مقالي، ومثلما كانت تفعل شهرزاد، تتوقف عندما كان يصيح الديك مؤذناً بطلوع النهار. فهأنذا أتوقف، رغم وجود مفردات أخري كثيرة استخدمها الرئيس في خطابه المهم والإنساني والجميل الذي ألقاه.