المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
أخطاء إعلام.. وخطايا دولة!
توقفت طويلاً أمام رسالة «المصرى اليوم» التى نشرتها أمس على صفحتها الأولى، انطلاقاً من دورها الإيجابى، عما يعانيه الوطن من مشاكل وقضايا شديدة الخطورة.. وشدتنى أكثر من نقطة: من هو الأولى بالرعاية.. الوطن أم المواطن.. وكيف أنه لولا الوطن لما كان المواطن؟.. ومِن هذا، ما هو الواجب الأساسى.. أن ننقذ الوطن نفسه أم نعطى كل الأولويات لمساعدة المواطن.. وهل هناك من يشعل النيران فيما بقى من هذا الوطن، دون أن يعى أن هذه النيران سوف تحرق من يحاول إحراق الوطن نفسه؟.. وأحسست- وهذا حقيقى- أن من الإعلاميين من يتملق الجماهير بالحديث عن المشاكل التى تواجه الناس.. والتركيز على السلبيات- وما أكثرها!- والقفز فوق الإيجابيات.. وما أصعبها!. وهل- وهذا كلامى أنا- يأخذ بعض الإعلاميين موقف «دغدغة مشاعر الناس»، ولو كان ذلك على حساب الوطن نفسه وحاضره بالذات قبل مستقبله؟

هنا يجب القول إنه لا وطن بدون مواطنين.. ولكن أيضاً لا قيمة للمواطن دون وطن.. أى، هما معاً مثل أساسيات أى نسيج أو ثوب من قماش.. أى نسيجين يتداخلان معاً ليصنعا لُحمة الوطن ونسيجه.. وأن الإعلام- غير المغرض- عليه أن يسلط الضوء على السلبيات، ليسهل على الدولة استكشاف الأخطاء.. ليس من باب التشفى.. ولكن لمساعدة الدولة على الحل والمواجهة.

ولكن الدولة الآن- تكاد تعطى ظهرها تماماً لمعظم الإعلام وأكثر الإعلاميين.. بدليل أنها ممثلة فى أعلى سلطة- وهى رئيس الدولة- أصبح لا يلتقى إلا لماماً بمسؤولى الصحف القومية دون سواهم.. وأصبح يعطيهم فرص التميز والسبق فى كل ما يدلى به من أفكار أو تصريحات أو حوارات، وربما بين غيرها من الصحف من أصبح أكثر تأثيراً على الرأى العام من هذه الصحف القومية الثلاثة الموعودة بجنة الدولة ونعيمها.. وأتذكر هنا أن نظام الرئيس السابق حسنى مبارك كان يحرص على أن يلتقى بالكل.. ويعطيهم نفس الاهتمام الذى كان يفوق أحياناً اهتمامه بالصحف القومية، ولم تكن الدولة أيامها تُفرد للإعلام الرسمى تلك المزايا «الصحفية» التى يتمتع بها الآن نفس الإعلام الرسمى، حتى تعبير الصحف القومية لم يعد مقبولاً، لأنه يعنى أن غيرهم ليسوا قوميين!!، وليكن اسمه الصحيح والواقعى هو الإعلام الرسمى.. ودَعوا القومية لمن يعرف معناها الحقيقى.

وإذا كانت التهمة الأساسية التى يحاول رجال الدولة الآن أن يلصقوها بالصحف غير الرسمية، مستقلة أو حزبية.. معارضة أو مؤيدة، إذا كانت هذه التهمة الآن هى إبراز السلبيات، فإن من الصحف الرسمية من يقوم بنفس الدور الآن، وربما أكثر.. ليس حتى يقال إن الصحف الرسمية «مازالت» مع الناس.. ولكن لأن هذه السلبيات لم يعد ممكناً أبداً تجاهلها أو نسيانها أو الهروب منها.. ولكن الحقيقة تقول إن الصحف الأخرى تركت للصحف الرسمية دور إبراز الإيجابيات. وهذا أهم ما يجب على هذه الصحف الرسمية أن تَرُد به الجميل للدولة التى تتحمل كل خسائر هذه الصحف وكل ترسبات أعبائها القديمة والجديدة.. لأنه بدون هذا الدعم الحكومى لن تصمد الصحف الرسمية طويلاً.

وهنا نؤكد أن الطبل والزمر نفسه قصير للغاية.. وأن الصواب أن نقول إن من رَحِم المشاكل والخطايا تُولد الدول وتنتصر.. ولكننا فى المقابل نؤكد أننا نريد إعلاماً يبنى ولا يطبل، وفى نفس الوقت لا نريده أن يصبح أداةً، ولو بدون قصد، فى يد من يخطط لضرب هذا الوطن.. وإذا كان بعض الذين يفعلون ذلك عن جهل وعدم دراية بدروس التاريخ، فإن علينا أن نَرُدّّهم إلى الصواب، وأن نقف جميعاً من «قضية الوطن» موقفاً واحداً مهما كان الثمن، وأن نبعد عن الساحة الإعلامية من لا يضع مصلحة الوطن فى المقدمة، حتى ونحن فى عصر يفضل البعض مصالحه على مصالح الوطن العليا.. بشرط ألا ينسى واجبه تجاه الوطن.. وتجاه معاركه التاريخية.

** نعم.. نريده إعلاما يبنى، لا أن ينفذ- عن غباء أو طمعاً فى مال أو جاه- ما يريده أعداء الوطن.. وهم للأسف كثيرون، أكثرهم فى الداخل.. وبعضهم- وهم الممولون- من يحيا فى الخارج.. فالأموال زائلة، وهنا يجب ألا ننسى حكاية «على بك خنفس»، الذى خان وطنه مصر ودَلَّ الإنجليز على نقاط الضعف فى جيش مصر، جيش عرابى فى التل الكبير.. فكانت الهزيمة لمصر.. ويمكن أن نروى بالتفصيل حكاية هذا الخنفس، على بك، لعلنا نتعلم منها.

** ولكننا لا نريد إعلاماً تكمم الدولة لسانه، فيكتفى بالطبل والزمر وينسى كما تقول «المصرى اليوم» أن الوطن أولا.. وأن حق المواطن ينبع من حق الوطن نفسه.

** ثم أن نشجع المواطن على أن يعطى أولاً.. قبل أن يطالب بما يراه حقاً.. فالعطاء والحقوق لا تنفصل.

وتلك كلها بدايات نواصلها لكى نعيد لمن فقد حُسن رؤيته مستوى الرؤية الذى يعيد إعلامنا إلى ما يجب أن يكون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف