حرب عبثية لا يمكن أن تستمر، ألا وهى حرب اليمن التى ظهر أنها ستكون طويلة ودموية وغير حاسمة. أدت إلى كارثة إنسانية قتل معها الآلاف من المدنيين، وبات المستفيد الوحيد هو فرع تنظيم القاعدة فى اليمن الذى بات يسيطر على مواقع ومدن فى ظل الفوضى التى خلفتها الحرب. تحول اليمن إلى دم وأشلاء وللأسف فإن المجتمع الدولى ظل يمد غارات التحالف بذخيرة الصمت. جاءت واقعة قصف مجلس العزاء فى صنعاء فى الثامن من أكتوبر الجارى، لتسلط الأضواء على الحرب العبثية التى تورط فيها ما يسمى بالتحالف العربى الذى تقوده السعودية منذ 26 مارس 2015 . وهى الحرب التى بات معها اليمن تعيسًا بائسًا حزينًا بعد أن كان اليمن السعيد. وكيف يكون سعيدا اليوم وقد تحول إلى بؤرة للقتل والدمار؟.
كانت السعودية قد أقرت بشكل سرى بأن إحدى طائرات التحالف قد قصفت مجلس العزاء، وهو القصف الذى خلف 140 قتيلا وخمسمائة جريح من قيادات حزب المؤتمر الشعبى وقيادات الجيش والأمن الموالية للحوثيين وعدد من الأكاديميين. الحادث خطير واستثنائي ومهول خلف دمارا كبيرا فى المبانى المحيطة وصورا مروعة لجثامين متفحمة ومشوهة. ولم تكن المرة الأولى التى تستهدف فيها مجالس المناسبات، فلقد تم من قبل استهداف الأعراس والمنازل والموانئ والمصانع والأسواق والمستشفيات والمدارس. هجمات أسفرت عن زيادة أعداد الضحايا من المدنيين مع انعدام محاسبة المسئولين، فما كان يمكن للأطراف المتحاربة أن تختبئ فى دخان الحرب. الكارثة صنعها البشر وتجرى فصولها أمام أعين العالم.
غير أن حادث استهداف مجلس العزاء فى صنعاء أثار غضبا دوليا، حيث طالبت الأمم المتحدة بإجراء تحقيق بشأن جرائم حرب محتملة، ورأينا «بان كى مون» يطالب بأن تكون هناك محاسبة على الإدارة المروعة لهذه الحرب برمتها، مؤكدا أن الهجمات الجوية التى ينفذها التحالف بقيادة السعودية سببت بالفعل مذبحة هائلة، ودمرت الكثير من المنشآت الطبية وغيرها من البنية التحتية المدنية الحيوية. بينما صرح الأمير «زيد بن رعد الحسين» المفوض السامى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائلا: «إن الدول الأعضاء فى مجلس حقوق الإنسان ساهمت فى مناخ انعدام المحاسبة فى اليمن من خلال فشلها فى إجراء التحقيقات المطلوبة من قبل، وأن على المجتمع الدولى أن يكون لديه التزام أخلاقي وقانوني باتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة المعاناة الفظيعة المتزايدة للضحايا المدنيين».
توقعات الفترة المقبلة بالنسبة لهذه الحرب الكارثية ماثلة أمام كل ذى عينين، فاليمن بالقطع سيعانى الكثير من التداعيات فى مرحلة ما بعد الصراع. ليكون الحصاد المر آلاف الضحايا والوضع الإنسانى والصحى البائس والاقتصاد المتدهور والجيش المنقسم والمجتمع المشرذم، وخليط الفصائل السياسية المسلحة. ولهذا يتعين اليوم إجراء تحقيق فورى ومستقل حول عملية السبت الأسود التى استهدفت مجلس العزاء فى صنعاء، فمن غير المنطقى أن يقوم بالتحقيق الطرف المعنى بالواقعة أو من تم توجيه الاتهام إليه، ولهذا ينبغى أن تشكل مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تحقيقا مستقلا ضمانا للشفافية والنزاهة لا سيما وأنه سبق للسعودية أن أجرت تحقيقات فى عمليات سابقة برأت نفسها فيها.
بات لزامًا اليوم على كل حكيم أن يعمل على وقف هذه الحرب الجريمة، وأن يضع نهاية لهذه اللعبة الآثمة التى انتهكت القوانين وميثاق جنيف. وليت السعودية فيما إذا أرادت السلامة أن توقف هذه الحرب العبثية وترفع يدها عن اليمن، فأهل مكة أدرى بشعابها. أى أن أهل اليمن أدرى وأعلم بشئونهم.