رغم أن القاعدة تقول إن لكل زمان دولة ورجالاً.. فإن هذا المثل لا ينطبق أبداً على إعلاميى مصر!! فهل ذلك لقدرة الكثيرين منهم على التلون والتشكل والتغير.. أم لقدرتهم على الانقلاب ولبس الملابس الجديدة التى يفضلها النظام الجديد، فى كل عصر، والغريب أن من الشعب من يغفر لهم.. وينقاد وراءهم. ربما لأن الشعب تعود على الصوت العالى.. والحنجورية المفرطة.. والقدرة على النسيان.
والغريب أن أكثر الأصوات تأثيراً الآن، للأسف، كانوا من رجال العصر السابق الذين «تمرمغوا» فى خيرات السلطان، وعطايا السلطان، بل كانت بداياتهم مع هذا السلطان، وهو الذى سمح «لمعظمهم» بالظهور والبروز.. بل وتمكينهم من تصدر المشهدين السياسى والإعلامى.. عندما حصلوا على امتيازات إصدار الصحف، بل والدخول إلى البرلمان، والفوز بعضويته.. وكانوا بذلك من أبرز رجالات السلطان، رغم أنهم لم يكونوا يوماً من رجال الإعلام الرسمى.. وربما كان ذلك من ذكاء السلطان ورجال السلطان الذين سهلوا لهم كل شىء.
ولكن المؤلم - والمثير للشفقة - أن هؤلاء كانوا أول من انقلب على السلطان، وعلى رجاله.. وركبوا كل موجة، لتدفع بهم إلى الصفوف الأمامية للمعارضة.. وما عارضوا إلا ليحصلوا على المزيد من المزايا والمكافآت والمكاسب من السلطان الجديد.. بل ومن السلاطين الجدد. واستغلوا قربهم من النظام الجديد ليوهموا الكل - والشعب أيضاً - بأنهم هم وحدهم من اعترضوا على النظام السابق.. واستفادوا من كل كلمة سمعوها، وعرفوها.. وهؤلاء هم من ينطبق عليهم القول إنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف، رغم أن لحم أكتافهم - كله - كان من رجال السلطان القديم.. ولكنهم تماماً مثل فئران السفينة.. أول من يقفز منها.. هرباً من احتمالات الغرق.. وبتعبير أولاد البلد.. «هم الذين أكلوا - ومازالوا - على كل الموائد»!!
وبراعة هؤلاء الإعلاميين أنهم مدوا نشاطهم إلى خارج البلاد.. وقدموا خدماتهم للطغاة فى كل مكان. ومن هؤلاء من عمل لطاغية العراق الأكبر صدام حسين، الذى كان يسعى إلى أن يصبح صلاح الدين الجديد.. أو حتى سعد بن أبى وقاص القديم، بطل القادسية الأولى، فابتدعوا له دور بطل القادسية الجديدة.
ومنهم من قدم خدماته لقائد المسيرة الخضراء معمر القذافى، ولبس معه لباس الناصرية، ليس فقط فى حياته.. بل وبعد رحيل عبدالناصر نفسه، وحاولوا مع القذافى، على أن يقدموه زعيماً للناصرية الجديدة.. وكانت سفرياتهم الأكثر إثارة إلى ليبيا التى نكبت بحكم القذافى، رغم أن الأخوة فى ليبيا الآن يترحمون على القذافى وعصر القذافى.. تماماً كما يترحم كثير من العراقيين على أيام وعصر صدام حسين، لأنه على الأقل تصدى للمد الشيعى الإيرانى، سواء فى أواخر عصر الشاه رضا بهلوى.. أو بدايات عصر آيات الله وزعيمهم الخومينى، فكان أن حارب إيران - رغم أننى أكره مؤامرتهم علينا حتى الآن - لمدة 8 سنوات، كانت هى بدايات انهيار العراق.. حتى الآن. وحتى يهرب من احتمالات الجيش العراقى الانتقام منه.. استباح لهم صدام أرض وثروات الشقيقة الكويت!!
ومنهم من ركب عربة ديكتاتور اليمن «الشاويش» على عبدالله صالح، طمعاً فى ذهب اليمن وفضته.. ونالوا عطايا الديكتاتور اليمنى.. واقتسمها مع غيره من رفاق الإعلام المرتزق!! وهى واقعة مشهورة وموثقة ومؤكدة.. وغوصوا فى وثائق الصحف الحزبية الصغيرة لتعرفوا الحقيقة كاملة.
■ ■ وللأسف، ورث النظام الحالى خطايا كل هؤلاء المنتمين للإعلام المصرى.. ومنهم من اكتشف مبكراً بدايات زوال سلطان الإعلام الورقى.. فهرولوا جميعاً نحو الإعلام المشاهد - وبالألوان الطبيعية - الذى هو بات الأكثر تأثيراً.. لأنه «إعلام ومشاهدة» لا يرهق المشاهد ولا حتى من يقدمونه.. ومعهم جماعات صنع النجوم فى عصر التوك شو، أى البرامج الحوارية.. وهم أيضاً «جماعات، بل عصابات قتل النجوم»، لكى يخلو الجو للنجوم الجدد.. ولذلك وجدنا من رجال الإعلام المقروء القديم نجوماً أصبحوا فى مقدمة المشهد الإعلامى التليفزيونى!!
■ ■ والمؤلم أن كثيراً من هؤلاء الذين ينتسبون للأسرة الإعلامية ليسوا مثقفين.. وإن حاولوا أن يظهروا أنهم كذلك.. وهم يختلفون عن إعلاميى ما قبل يوليو 52، وأيضاً إعلاميى ما قبل السادات، فقد كان هؤلاء من المثقفين.. بل شديدى الثقافة.. رغم أنهم نالوا غضب السلطان عليهم بالسجن - مراراً - وبالمصادرة أحياناً أخرى.. والتأميم مرات ثالثة.. فكان جزاؤهم هو.. هو: جزاء سنمار. الرمى من فوق السطوح!!
■ ■ ولكن المؤكد أن شعبنا يعرف الآن حقيقة من يحارب الأمة فى أحلامها.. ومن هم المتربحون والمتاجرون.. والمؤكد كذلك أن الرئيس السيسى يعرف الآن «تماماً» نوعية كل هؤلاء.. ولذلك يتعمد الآن الابتعاد عنهم، أو إبعادهم، رغم أن تأثيرهم مازال قائماً، ومن المؤكد أن الشعب أخذ يلفظ هؤلاء الذين تناوبوا الانكفاء على الغنائم، وبدأ يبتعد عنهم، ولاحظوا هبوط تأثير برامج التوك شو.. حقاً لكل واحد نهاية.. وعلى قدر ما «غنموا» سوف يفقدون، لتنجوا مصر من حبال الآكلين على كل الموائد.