حمدى الكنيسى
«فاروق» .. أكثر من »أستاذ«
بالنسبة لي شخصيا، كان فاروق شوشة أكثر من أستاذ، فقد كان بمثابة الأخ الأكبر لي حيث كان زميل دراسة وصديقا لشقيقي الكبير وبمجرد أن شرفت بالالتحاق بالاذاعة.. كان أول من سعيت إلي لقائهم حيث كان صوته وأداؤه المتميز من أسباب عشقي للعمل الاذاعي، كما كان حديث أخي عن شخصيته وثقافته وجميل صداقته دافعا لي كي أقترب منه أكثر وأكثر كأستاذ وقدوة ونموذج يحتذي به، ويجمع الكثيرون علي حميد صفاته.. وعظيم عطائه. وقد امتد وتواصل شعوري بأستاذيته حتي وقت قريب حين احتفلت »نقابة الاعلاميين تحت التأسيس» بعيد الاعلاميين منذ أربعة أشهر وقمنا بتكريم بعض الرواد الكبار الذين كان هو واستاذنا أحمد سعيد، وأستاذنا فهمي عمر.. في مقدمتهم وقبل ان أدعوه الي منصة التكريم وجدتني أساله عن أحد الاخطاء اللغوية الشائعة، وصحتها فإذا به ـ كعادته ـ وبصوته الدافئ يذكر لي عدة أبيات شعرية تخللتها تلك العبارة التي سألته عنها!
وكم أكون مخطئا ومتجاوزا لو بدا من حديثي هذا عنه أنني كنت الوحيد الذي تمتع وحظي بأستاذية الإعلامي والشاعر الكبير فاروق شوشة، فالمؤكد ان جيلي وما بعد جيلي.. يدين له بالفضل انسانا وأستاذا في الكثير من المجالات. فهو الإذاعي الذي جعل من الميكرفون سلاحا يدافع به عن اللغة العربية، ويظهر جمالها ومكانتها في الثقافة العربية، حتي نجح .. من خلال برنامجه اليومي الذي بدأ في عام ١٩٦٧.. في أن يجعل الكثيرين يغوصون معه في بحر لغتنا الجميلة ليروا ـ بآذانهم ـ ما يحتويه من »درر» و»صدفات» رائعة، والحقيقة ان فاروق شوشة كان هو شخصيا بمثابة بحر المعرفة الموسوعية التي لم يبخل بها علي المستمع والقارئ والمشاهد سواء من »برنامجه اليومي» عن الجميلة، أو برنامج »قطرات الندي» او برنامج »طريق النور»، أو السهرة الثقافية التي قدمها علي شاشة التليفزيون ومن خلالها قدم رموز الثقافة العربية من جميع أنحاء عالمنا العربي وبنفس القدر من العطاء جاءت دواوينه التي بلغت عشرين ديوانا لينهل منها المثقفون والشعراء الذين رحبوا به في الصفوف الاولي مبدعا وأستاذا.
ـ وبنفس القدر من العطاء جاءت مقالاته النقدية والسياسية التي جسد بعضها رسالته الأدبية والانسانية باحتضانه ودعمه للشعراء الشبان.
ـ وبنفس القدر من العطاء كان دوره في المكان الذي ارتبط برسالته »مجمع اللغة العربية»، ليكون »الأمين العام» الذي يواصل من خلاله دوره حارسا للغة الجميلة التي عشقها وعشقته، ومنحها نبض قلبه وفكره، ومنحته هي أجمل مفرداتها ليصوغها شعرا ونثرا وقد تحدثت معه عما يمكن ان يحققه مجمع اللغة العربية في زماننا هذا الذي تتراجع فيه اللغة وتفقد بعض ملامحها أمام الاخطاء التي تشيع في كلمات وخطب كبار المسئولين وحتي بعض المستشارين القانونيين الذين كان من سبقوهم يصدرون أحكامهم القضائية بأفصح وأروع العبارات وكأنهم أدباء مبدعون يجلسون في ساحة القضاء، ومازلت أذكر كيف عبر عن حزنه عما جري ويجري للغتنا الجميلة، بسبب انهيار التعليم، وتراجع الاهتمام بلغتنا الأم في المناهج الدراسية لحساب اللغات الأجنبية.
ـ أعرف ان الحديث عن فاروق شوشة أستاذا وأخا وصديقا يطول ويطول، تماما كما أعرف انه مثلما نال كل الاعزاز والحب والتقدير ممن تعاملوا معه، أو اقتربوا منه، أو تمتعوا بعطائه الاذاعي والتليفزيوني والشعري نال يوم رحيله ما بلغ حد الإجماع علي الحزن والاسي عندما صدمهم ذلك النبأ المفاجئ، وقد تجلي ذلك واضحا عندما احتشد الآلاف في عزائه.. من كل الاتجاهات والأطياف، مما يؤكد انه ان غاب عنا بجسده، سيظل حيا بيننا بعطائه ومبادئه وقيمه.