الأخبار
عبد القادر شهيب
مقامرة الإخوان في ١١/١١
ليست المرة الأولي التي يدعو فيها الإخوان الناس للنزول في الشوارع والميادين في ١١/١١.. فعلوا ذلك عدة مرات من قبل في غضون أكثر من ثلاث سنوات مضت.. ومنذ أن فقدوا حكم البلاد، وأخفقوا فيها كلها!.. وعندما بدأ حتي أعضاء جماعتهم وأنصارهم وحلفاؤهم يتوقفون عن الاستجابة لدعوات الجماعة للنزول إلي الشوارع والميادين خوفا من ملاحقة ومطاردة المواطنين - قبل الشرطة - لهم، لجأ الإخوان إلي تنفيذخطة أخري مزدوجة، من جانب ممارسة العنف علي نطاق واسع، فانطلقت عناصر تنظيمهم الخاص أو أعضاء اللجان النوعية لتقتل وتفجر وتخرب وتدمر وتحرق.. ومثلما اغتالوا النائب العام السابق، فجروا أبراج وأكشاك الكهرباء، وحرقوا الكنائس ودمروا عربات القطارات والأتوبيسات.. ومن جانب آخر السعي للتشكيك في كل عمل وكل نشاط وبث الشائعات للنيل من التماسك الوطني وإثارة حالة من الضيق والغضب في صفوف قطاع من الناس.
والآن بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات علي طردهم من الحكم وجد الإخوان أن الفرصة مناسبة لكي يعودوا لمطالبة الناس مجددا بالنزول إلي الشوارع والميادين، وأطلقوا علي دعوتهم هذه ثورة الغلابة أو ثورة الجياع، في محاولة لاستغلال معاناة الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة من التضخم وارتفاع الأسعار وبعض الأزمات في سلع ضرورية وأساسية.. وحددوا لذلك يوم الجمعة ١١/١١ غير أن الإخوان مع ذلك لم يتوقفوا عن خطتهم المزدوجة التي تجمع ما بين ممارسة العنف وممارسة التشكيك، بل انهم قرروا تكثيف هذا العنف وزيادة هذا وصولا لليوم الذي حددوه للنزول إلي الشوارع والميادين، وهو اليوم الذي سيصل فيه العنف ذروته والتشكيك المدي الأكبر له.
وقد آثر الإخوان في البداية أن يتخفوا وراء واجهات أخري غير إخوانية في هذه الدعوة.. دعوة الناس للنزول إلي الشوارع والميادين في ١١/١١، وذلك من أجل اقناع أكبر عدد من الناس بهذه الدعوة.. واكتفي الإخوان فقط من خلال منابرهم الإعلامية بإعلان تأييدهم لهذه الدعوة وترحيبهم بها وإبداء الاستعداد للاستجابة لها.
ولكن مع اقتراب الموعد المحدد للنزول في الشوارع والميادين خلع الإخوان أقنعتهم وملابسهم التنكرية وجاهروا بالدعوة للنزول في الشوارع.. منذ أصدرت جماعتهم بيانا لا يكتفي بتأييد هذا النزول وإنما يحث أيضا عموم الناس والقوي السياسية المختلفة للمشاركة فيها.. وبهذا البيان صارت الجماعة هي الجهة الوحيدة المعلنة صاحبة دعوة النزول في ١١/١١.
وقد يتصور البعض أن الإخوان جاهروا الآن بتبني دعوة النزول إلي الشوارع والميادين في ١١/١١، لأنهم تيقنوا أن هذه الدعوة لاقت استجابة من الناس ولذلك سارعوا لينسبوا لأنفسهم فضل عمل احتجاجي شعبي قادم، قبل أن ينسب أحد غيرهم ذلك لنفسه.. لكن ما يؤكد خطأ ذلك التصور أن الإخوان استبقوا الموعد الذي حددوه للنزول إلي الشارع بالسعي للقيام بمحاولات اغتيال عدد كبير من المسئولين، وهو الأمر الذي يشي بأنهم لا يثقون في أن شيئا ما سيحدث في ١١/١١ يخلصهم من هؤلاء المسئولين الكبار وتغيير الحكم كما قالوا في بيان جماعتهم.. أي أن الإخوان جاهروا بتبني دعوة النزول إلي الشوارع والميادين وهم يدركون أنه لا توجد استجابة لدي الناس لهذه الدعوة، والأهم يدركون أن مجاهرتهم هذه بتبني تلك الدعوة ستجعل من فكروا في النزول من غير جماعتهم سوف يراجعون أنفسهم بعد أن علموا بأن صاحب دعوة النزول هم الإخوان، حتي لا يجدون أنفسهم يسيرون في ركابهم ويساعدونهم في استعادة الحكم.
لذلك.. لابد أن ثمة سببا دفع الإخوان لخلع ملابسهم التنكرية والمجاهرة بتبني دعوة النزول إلي الشوارع والميادين في ١١/١١.. وهذا السبب في الأغلب قد يكون أن الجماعة تحت ضغط القوي الاقليمية والقوي الدولية التي تساندها وتدعمها قد فعلت ذلك أو بالأصح اضطرت إليه.. فهذه القوي الاقليمية والدولية تتعجل التخلص من الحكم الحالي في مصر وجماعة الإخوان حرصا علي المحافظة علي ما تحصل عليه من دعم منها تريد أن تقول لها إن الإخوان يفعلون كل ما في وسعهم ويبذلون كل جهودهم لتحقيق هدف تغيير حكم مصر.
وأيضا هذا السبب قد يكون وصول قيادة الجماعة لقناعة بأن الاستجابة لدعوة النزول إلي الشوارع والميادين في ١١/١١ لا تلقي استجابة من الناس في مصر، وخشت تلك القيادة أن يؤثر ذلك بالسلب علي معنويات أعضائها والمتعاطفين معها فلا ينزلون هم أيضا إلي الشوارع والميادين مثلما حدث في دعوات عديدة سابقة.. لذلك اضطرت قيادة الجماعة إلي المجاهرة بتبني دعوة النزول في ١١/١١ إلي الشوارع والميادين لتشجيع أعضائها وحلفائها وأنصارها علي تلبية هذه الدعوة بإيهامهم - ما حدث في بيان الجماعة - بأنهم لن يكونوا وحدهم في الشوارع والميادين وقتها.. أي أن الجماعة اضطرت إلي المجاهرة بتبني هذه الدعوة للمحافظة علي معنويات أعضائها وأنصارها، ولعلنا نتذكر كيف فعل قادة الإخوان وما رددوه من أكاذيب من أجل الاحتفاظ باعتصام رابعة والنهضة قائما لدرجة تحديد مواعيد لعودة مرسي إلي القصر الرئاسي ليمارس مهام منصبه بعد عزله والتخلص من حكمه الفاشي المستبد.
علي كل حال أيا كان السبب الذي جعل جماعة الإخوان تجاهر بتبني دعوة ١١/١١ علي هذا النحو بعد أن آثرت في البداية التخلص وراء واجهات غير إخوانية، وهي تطلق هذه الدعوة، فإن المؤكد أن الإخوان يقومون بمقامرة بما يفعلون!
فإن ذلك لن يجعل فقط بعضا من غير الإخوان الذين فكروا في النزول إلي الشوارع والميادين يومها يحجبون عن ذلك حتي لا يوصموا بأنهم إخوان أو من حلفائهم، وإنما ذلك سيدفع أيضا عددا من أعضاء الجماعة وأنصارها إلي عدم النزول ايثارا للسلامة وعدم تعريض أنفسهم للملاحقة الشعبية والمطاردة الأمنية بعد أن كشف الغطاء عنهم بتبني قيادة جماعتهم دعوة ١١/١١.
ان قيادة الجماعة بذلك لا تقامر فقط بخسارة تضليل غير أعضائها يوم ١١/١١، وإنما خسارة بعض أعضائها أيضا.. بل خسارة ثقة معظم أعضائها وأنصارها، الذين سوف يصابون بمزيد من الاحباط والاحساس بالعجز علي غرار ما حدث بعد كل فشل لحق بالجماعة، والاحباط مع العجز يصنع عادة الاستسلام.. فالجماعة ستبدو بشكل واضح أنها جماعة منبوذة شعبيا داخل مصر ولا يتعاون معها أحد ولا يستجيب لدعواتها أحد.. أي أنها مقامرة خاسرة، لأن حتي الذين لا يقبلون بالحكم الحالي في مصر من غير الإخوان لا يقدرون علي المجاهرة بالتعاون مع الإخوان وإلا صاروا هم أيضا منبوذين شعبيا.
لكن مع ذلك فإن قيادة الجماعة سوف تخرج بعد ١١/١١ لتقول لأعضائها وأنصارها إنها تستنزفنا معنويا وتشتت انتباهنا بما تفعله من مقامرات عن المضي في طريقنا من أجل حل مشاكلنا، خاصة الاقتصادية، وإعادة بناء دولتنا العصرية الحديثة.. ولذلك في الأغلب سوف تستمر في مقامراتها العدائية ضدنا.. مع تكثيف العنف والتشكيك لهز ثقتنا في أنفسنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف