المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
الأرقام لا تكذب ولا تتجمل!
ربما الأرقام هى الوحيدة التى تكشف الحقائق المرة التى يعيشها الوطن الآن.. ورغم معرفتى بحجم الكارثة التى تحدق بنا، إلا أن الأكثرية لا تعرف مدى خطورة أوضاعنا.. ولذلك فإن الرئيس السيسى يحاول أن يوقظنا مما نحن متجهون إليه.. ولذلك يطلق تلك الصرخات بين فترة وأخرى.. لعلنا نستيقظ.. وآخر هذه الكوارث، التى تؤكدها الأرقام، ما أعلنه الرئيس منذ أيام.. فماذا تقول هذه الأرقام.

يؤكد الرئيس أن هناك فارقاً - أو فجوة رهيبة - بين إجمالى إيرادات الدولة وإجمالى مصروفاتها.. وأن هذا الفارق يتجاوز 300 مليار جنيه.. أى 300 ألف مليون جنيه.. إذ تصل المصروفات إلى 974 مليار جنيه، بينما لا تتجاوز الإيرادات رقم 670 ملياراً.. وأن على الدولة أن «تتصرف» لعلاج هذا العجز القاتل.. وللأسف ليس أمامها إلا الاقتراض، سواء من الداخل، أو من الخارج.. رغم أن هذا الاقتراض يعنى مزيداً من الأعباء تضاف إلى هذا العجز، يتمثل فى فوائد هذه القروض.. وهو ما تعجز الدولة عن تدبيره.. فما بالكم بسداد أصول هذه الديون.. التى تمثل أعباءً رهيبة على الجيل الحالى، وعلى الأجيال القادمة.. ولسنوات عديدة مقبلة.

وقبل أن يسأل أحدنا: من أين يأتى هذا العجز؟ يكفى أن نقول إنه ناتج 228 مليار جنيه تتحملها الدولة فى بند واحد هو الأجور والرواتب.. ويا ليت من يحصلون عليها.. يقدمون إنتاجاً يعادل ولو نصف ما يحصلون عليه!! والدولة عندما تحاول تقليل ما تتحمله من دعم للسيطرة على كثير من السلع تواجه بقلاقل، يمكن أن تصل إلى حد التهديد بالثورات.. وحتى تعرف حجم الأعباء نقول إن هذا الدعم يصل إلى 206 ملياراً جنيه، ثم إنه بسبب توالى سياسة الاقتراض فإن الدولة تحاول سداد 292 مليار جنيه لمواجهة فوائد ما تقترضه من الداخل والخارج.. خصوصاً أن هذا الدين الداخلى يبلغ 2 تريليون و572 مليار جنيه.. وتخيلوا هذا الرقم 2572 مليار جنيه.. وبسبب تعاظم هذه القروض نقول إن فوائد هذه الديون تبتلع حوالى 32٪ من إجمالى مصروفات الموازنة.. وبذلك يصل إجمالى النفقات فى هذه البنود الثلاثة إلى حوالى 726 ملياراً.. فماذا يتبقى من أموال لتنفيذ ما تطمح به الدولة للإنفاق على المشروعات؟

الرئيس السيسى يقول إن الدعم السلعى كان حوالى 16.8 مليار.. ولكنه قفز إلى 44 ملياراً.. بينما الدولة تأمل تخفيضه والسيطرة عليه، ما أمكن.. ويقول إن بنداً واحداً يؤكد حرص الدولة على تحسين أوضاع أصحاب المعاشات وما يُدفع للأرامل وأبناء الراحلين.. إذ تتحمل الدولة زيادة فى هذا البند فقط تصل إلى 30 مليار جنيه.. فى عام واحد فقط.. بل وبسبب حرص الدولة على توفير سكن يليق بالبشر فإنها تنفق 64 ملياراً على مخصصات الإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات، بعد أن كانت الدولة حتى عام 2010 قد توقفت عن الإنفاق على قطاع الإسكان تماماً.. ولأن الدولة لا تفصل بين الإسكان والمعاشات، تقول الأرقام إن المعاشات تضاعفت خلال 5 سنوات إلى 324 مليار جنيه.. تخيلوا؟!

هذه مجرد عينة من الأرقام التى تزعج أى إنسان.. وتجعله بدلاً من أن يطلب المزيد.. يعمد إلى تقليل مطالبه.. وتقليل استهلاكه.. وزيادة إنتاجه.. ولكن - وبكل أسف - زاد الاستهلاك.. وانخفض الإنتاج.

■ ■ والسؤال: هل من أمل فى زيادة الإنتاج.. ويقابله خفض فى الاستهلاك؟! أم أننا - كلنا - نطبق مقولة «يا عم دعنى أعيش النهارده.. والباقى على الله»، وهو سلوك أدى إلى زيادة معدلات التضخم وانهيار فى معدلات الادخار.. وفى نفس الوقت نتساءل: هل فقدنا القدوة الوطنية، وأن نتحمل ولو قليلاً بعض الأعباء.. لنضمن ألا تزيد الأعباء على أولادنا وأحفادنا.. أم أننا أصبحنا قمة فى الأنانية وحب الذات حتى على أولادنا؟

■ ■ وهذا العجز «300 مليار جنيه» فى السنة.. كيف نواجهه.. هل بإلغاء رغيف من كل وجبة.. وكوب أرز فى كل طبخة.. وملعقة سكر فى كل كوب شاى.. وسيجارتين كل يوم.. وأن نقتسم اللقمة مع من لا يملكها.. أم ننتظر أن تبدأ الحكومة بالتقشف.. أم أن هذا التقشف الحكومى بات ضرباً من المستحيل.

■ ■ الحل أن نعود لنأكل مما نزرع، إذ من العار أن نحيا على ما نستورده، وأن نلبس مما نصنع.. والعار أن نجرى وراء كل ما هو مستورد.. حتى من بنجلاديش فى الشرق.. أو جواتيمالا فى الغرب.

نقول ذلك.. ولسان حال معظمنا يقول لى: يا عم بلاش فلسفة.. «دوشتنا» من أرقامك.. فقد صنعت الدولة هى نفسها هذه الأزمة بسوء تصرفاتها من سنوات عديدة سابقة.. ولكن ما لا يعلمه أحد أن الدولة - أى دولة - مهمتها أن تحسن إدارة ما تحت أيديها، لا أن تدب الأرض بحثاً عن الكنز المدفون فى أعماقها.. ولكنها الأرقام: لا تكذب.. ولا تتجمل.. فمتى - يا ترى - نفيق من غفلتنا؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف