بمناسبة نشر حديث الرئيس الشامل الطويل في الصحف القومية.. كان زمان من الصعب أن تنفرد جريدتنا بخبر هام أو حديث من مسئول كبير.. لماذا؟.. كان هناك ما يسمي "قطار الصحافة" يتحرك في الساعة الثالثة صباحاً من محطة مصر إلي الإسكندرية وقطار آخر يتحرك في نفس الموعد من محطة الجيزة إلي أسيوط أو المنيا حسب الظروف أما مدن ما بعد ذلك فهناك طائرة تقوم من مطار الطيران الداخلي تهبط في أسوان ثم يتم التوزيع بعد ذلك بالسيارات.
لا أدري ماذا يجري الآن.. ولكن كانت محطة مصر تتحول منذ الساعة الثانية والنصف إلي سوق "عكاظ الصحفية" كما كانوا يسمونها.. كل الصحف تبادر بإرسال أعدادها لتلقي بها في قطار الصحافة قبل أن يتحرك.. وكانت بعض "الحزم" - كل مائة عدد في حزمة مربوطة - بل هناك مطابع تعد الصحف النازلة منها وعند الصحيفة المائة تنزل بالطول لا بالعرض فيتم خطف الأعداد بسرعة وإلقائها في الخلف حيث الورق الدشت وبكرة الفتل ويتم تحزيمها والإلقاء بها إلي الخلف حيث السيارة ثم إلي محطة مصر أو محطة الجيزة أو المطار.. وفي المحطة يتم فتح "حزمة" من كل صحيفة.. وهناك يتم خطف أكثر من عدد لإرسالها بسرعة إلي الدار الصحفية حيث ينتظرها العاملون في الدسك لقراءتها ومعرفة إذا كان هناك خبر فات الجريدة. فينشر بسرعة في الطبعة الثانية أو الثالثة!!! وهكذا كان من الصعب انفراد جريدة ما بخبر مهم أو حديث له أهمية.
ثم بدأت الصحف تتحايل علي هذه الحكاية.. وإذا تأكدت صحيفة ما أنها منفردة بخبر ما تستغني عن قطار الصحافة المتوجه إلي الاسكندرية وترسل سياراتها إلي وجه بحري حتي الاسكندرية لأن "سوق عكاظ" تجده فقط في محطة مصر.. أما محطة الجيزة فهي عادة تراها مظلمة حركتها قليلة وبطيئة وأعدادها قليلة.. أما المطار فمطلوب سرعة الإلقاء بالأعداد المربوطة في الطائرة ولا يفكر أحد في أخذ أي عدد ثم المطار بعيد عن أي دار صحفية.
***
ولكن كان هذا لا يمنع من وجود مندوب جريدة ما يقظ ويلاحظ عدم وجود أعداد صحيفة ما فيفهم اللعبة ويتصل بزملائه لمحاولة الحصول ولو علي عدد واحد من هذه الصحيفة لمعرفة ما فيها.
كانت حرباً شرسة بين الصحف حتي لا تفقد زبائنها.. ومع الأسف لا تجد هذا الحماس وهذا الإخلاص الآن.
***
أذكر حينما انفردنا بخبر الإفراج عن طارق سليم من سجن الاستئناف يوم الأربعاء المقبل ليلحق بتمرين الأهلي الرئيسي قبل لقاء القمة كدنا نضع حراسة علي سيارات التوزيع بعيداً عن القطارات والطائرة.. كان قرار الإفراج مفاجئاً صدر من عبدالحكيم عامر رئيس اتحاد الكرة الزملكاوي لكي يفوز الزمالك علي الأهلي وهو كامل العدد والصفوف!!!.. كانت الأخبار الرياضية في الستينيات أهم أخبار تهم القراء.
وكان هناك وجه آخر لهذا العمل.. ذات مرة نشرت جريدة "المصري" حديثاً جريئاً لفؤاد سراج الدين رداً علي مقال في "الأخبار" وكان الحديث فيه مساساً بالذات الملكية.. سمح به الرقيب لأنه كان أساساً يعمل في "المصري" لأنه يجيد الاختزال وينقل بالحرف ما يحدث في المحاكمات.. نشرت جريدة "الأساس" ورئيس تحريرها حافظ محمود الحديث فتقرر توقيع العقوبات عليها بل أشد!!! لأن الرقيب سمح للمصري والعقوبة يتحملها هو.. وكان اسمه بكر درويش.. أما الأساس فقد نشر الحديث بعد أن ترك الرقيب الجريدة.. الحكايات كثيرة فإلي الغد بإذن الله تعالي.