الوطن
خالد عكاشة
أسئلة سيناء الصعبة
أربعة أيام تفصلنا عن العملية الإرهابية الأخيرة التى وقعت بسيناء، مما يمكن بعد هدوء النفس قليلاً، خاصة بعد أن أتبعتها القوات المسلحة بضربات مؤثرة استطاعت أن تنال من المنفذين وأعوانهم، وربما بعض من مخازن تسليحهم وتموينهم الرئيسى، وهذا يسمح لنا بأن نقف اليوم فى مقام التفكر والتساؤل وإعادة ترتيب بعض من الأوراق، وهى مهمة أراها بدرجة أهمية لا تقل عن عمليات المواجهة المباشرة، وهى مطلوبة طوال الوقت قبل تصاعد العمليات وأثناءها وحتى فى فترات انحسارها، فالأسئلة والتقييم يساعدان فى ضبط خطوط السير، خاصة مع مسار شائك كالحرب على الإرهاب، به كافة أنواع التعقيدات المتخيلة وغير المتصورة أحياناً، لذلك تظل آلية التساؤل وبذل الجهد فى البحث واعتماد الإجابات معاوناً ثميناً للوصول إلى البر الآمن.

العملية الأخيرة فرضت تساؤلها الأهم عن المكان، هل تنفيذها فى هذا الموقع البعيد عن المثلث «العريش، الشيخ زويد، رفح» بمسافة نحو 80 كم غرباً، يحمل دلالة تمدد للنشاط المسلح لمناطق جديدة، أم هو هروب وعجز أمام استحكامات المثلث المذكور، أظننى أنحاز للفرضية الأولى خاصة والعمليات الإرهابية لم تنحسر بالصورة المطمئنة فى هذا المثلث، ربما غيرت من طبيعتها واختارت نمط العمليات الصغيرة، لكنها حافظت على معدلها الزمنى بإصرار، ما يقارب «4 أو 5 عمليات/ أسبوعياً» وهذا مقلق وخطير، وفرضية مدعاة القلق أن التمدد جاء «غربياً» باتجاه المناطق التى كانت أكثر أمناً وأكثر اقتراباً من قناة السويس، وهذا ينقلنا سريعاً لميزان القدرة، فالتنظيم الإرهابى بكل المبالغة فى قدراته لن يتمكن من فرض حالة اضطراب أمنى على كامل تلك المساحة، والمقصود بالفرض هو قدرته على إنتاج عمليات مسلحة متوالية على مسافة 250 كم طولى، هى المسافة من ساحل القناة الشرقى حتى الوصول إلى المثلث المذكور، لكنه بالمقابل سيتجاوز عجزه عن بلوغ هذا الهدف، عبر ضمانة تأمين انتقاله إلى بعض تلك المناطق والقيام بعمليات إغارة مفاجئة «سيناريو العملية الأخيرة»، وفى حال توفير معدل زمنى يتيح له تكرار هذا العمل، هذا يصب مباشرة فى ميزان القدرة الذى نعنيه، لا سيما وهذا سيلقى بأعباء مضاعفة على قوات المواجهة، بالنظر إلى المساحات الشاسعة والمتجددة التى ستدخل على معادلة المجابهة، فضلاً عن دقتها الاستراتيجية «المحور الأوسط، قناة السويس».

الأسئلة ستلتف لتوجه إلى مكونات مسرح العمليات الكبير، وستحاول البحث عن رمانة الميزان التى يمكنها أن ترجح عامل القدرة لدى التنظيم الإرهابى، أو أن تفشل استهدافه التوسعى «وهو موجود بقوة»، الإجابة الأولى والوحيدة تقريباً هى أهل سيناء، فالحزمة التى تخصهم تتساءل عن تضررهم من النشاط الإرهابى ومن عمليات المجابهة العسكرية والأمنية، أيهم أكثر ضرراً لهم، أكثر المتصدين للإجابة يتحدثون عن دور سلبى كبير يمارسه أهالى سيناء، بالنظر إلى خسائرهم المادية الفادحة جراء هدم أنفاق التهريب لقطاع غزة، خاصة مع عدم توفير البدائل التى تأخرت طويلاً، فالامتداد الزمنى «3 أعوام» غزته مشاعر التململ، التى عبرت عن نفسها بكون الغالبية اليوم داخل صفوف التنظيم الإرهابى من أبناء سيناء، فمرحلة انضمام الغرباء للتنظيمات هناك ولت، أى إن من يدير النشاط الإرهابى المسلح الآن هم أبناء سيناء، «أبودعاء الأنصارى، قائد تنظيم أنصار بيت المقدس» نموذج سبقه نماذج عديدة للصفوف القيادية الرئيسية، معلوم أن المقارنة العديدة تؤكد أن هذه شريحة محدودة بالمقارنة بمجمل سكان شمال سيناء «وهذا صحيح»، لكن إضافة قدرة التنظيم الإرهابى على تجديد صفوفه البشرية بعد كل ضربة ساحقة يتلقاها على أيدى القوات المسلحة «وهى مؤثرة بشدة»، تجعل أسئلة الحواضن القبلية والسكانية مشروعة، وواجب توفير إجابات محددة لها، فالدعم اللوجيستى والخدمات المعاونة هى الشريان الرئيسى الذى يستطيع الإبقاء على حياة أى تنظيم إرهابى مسلح.

صمت الأجهزة الرسمية عن الإعلان التفصيلى عن بيانات من يتم إلقاء القبض عليهم أو مقتلهم فى الاشتباكات المسلحة، له تفسيران لا ثالث لهما، أوله يتعلق بتعقيدات الاعتبارات السالف ذكرها فى الفقرة السابقة، والثانى يرتبط بسرية أعمال المكافحة قبل تلك التنظيمات، لكننا وصلنا لمحطة ربما يكون من الأوفق تداول تلك المعلومات بالصورة التى قد تحقق بعض الإيجابيات المهمة، فالاعتبار الأول قد يكون الإفصاح عن أسماء الإرهابيين وموطنهم، هل هم من سيناء أو من خارجها، أول طريق علاج الإشكالية بالمكاشفة والوقوف على النسب الحقيقية، واعتبار السرية بالطبع مقدر لدى الجميع، لكن الإفصاح عن التنظيم وطبيعته وعناصره بأسمائهم وجنسياتهم يصحح كثيراً من أوجه خلل التناول الإعلامى للحرب على الإرهاب، والإعلامى هنا يضم المحلى والعالمى وقبلهما الرأى العام، وهذه العناصر الثلاثة لديها اليوم درجة عالية جداً من الأهمية والتأثير ربما تفوق اعتبارات السرية، ووزنها النسبى أثقل مما يمكن استبعادها من معادلة المواجهة كأدوار ورؤى للإلمام بطبيعة المخاطر والجهد الكبير الذى يبذل للقضاء عليه، الصمت وتغييب المعلومات وحقيقة الصورة عنهم يسمح للمغالطات أن تتمدد ويحرم أعمال المواجهة من إضافة إيجابية تدعم ولا تخصم، نموذج الإعلان عن القضاء على زعيم التنظيم الإرهابى الشهر الماضى باسمه وشهرته وموطنه، صب فى اتجاه تقدير جهود كافة القوات العاملة على الأرض، والتقدير جاء داخلياً وعالمياً، فى الوقت الذى كانت بعض المنابر تتداول تفسيرات مغلوطة عن مشهد الخطر، وصل فى بعضها إلى إنكار وجود تنظيم وإرهاب مسلح فى سيناء من أساسه!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف