التحرير
طارق رضوان
الصلح بين «سيمنس» و«جنرال إلكتريك»
لا أعرف لماذا يظن كثيرون أن الرئيس لا بد أن يفكر ويخطط ويتخذ القرار ويتابعه وحده والباقى كومبارس صامت كل دوره أن يطلق الابتسامات فى وجه الرئيس ويستدير لوزارته أو مؤسسته مكشرا عن أنيابه كأنه يدير عزبته. ويبدو أن الجميع ممن تربوا وترعرعوا فى حضن نظام مبارك اعتادوا على ذلك الأسلوب فى الإدارة، حتى السادة رؤساء تحرير الصحف القومية يظنون أن الموالسة للرئيس هى أضمن شىء للثبات على المقاعد، لذلك لو أمسكت بجرائد 2005 تراها هى نفس جرائد 2015 والفارق فى اسم الرئيس، ويظنون بذلك أنهم يؤمّنون الرجل ويؤمّنون مقاعدهم.

الجميع سكرتارية لدى الرئيس، كالمقولة الخالدة لأحمد نظيف، لكن الحقيقة أن «الرجل الكبير» كما يطلق عليه محلب فى جلساته الخاصة فى غنى عن كل تلك الموالسات التى بدأت مبكرا ولا تقدم البلاد خطوة واحدة للأمام. الرجل يقوم بمهام عجز مبارك طوال ثلاثين عاما أن يقوم بها، وأهم ما فعله السيسى مؤخرا هو الصلح ما بين شركتى «» التى يمثلها فى مصر أحمد بهجت، و«جنرال إلكتريك» وكان يمثلها فى مصر محمد منصور، وكان الصراع بين الاثنين محتدما وصل إلى الاستخدام القذر للإعلام فى الصراع ليفوز أى منهما بتورتة المشاريع.

وعلى هامش المؤتمر الاقتصادى اجتمع السيسى برئيسَى مجلسَى إدارة الشركتين وتم الصلح بينهما وزال الخلاف، والشركتان اقتسمتا المشاريع وهى مشاريع الطاقة والاتصالات، وهو أمر جديد على مصر لم يحدث من قبل لأن الرئيس ما يهمه هو المصلحة العامة للبلاد وهو ما تحتاج إليه فى تلك الفترة الحرجة اقتصاديا، وكما رأينا الرئيس بنفسه هو من أصلح ما بين الشركتين وليس أحدا آخر، وهو أمر معطل، خصوصا والدولة فى طريقها مسرعة للرأسمالية.

والرأسمالية فى العالم المتقدم استطاعت أن تجند أكثر العقول خصوبة وقدرة على الخلق فى الولايات المتحدة، فقد اكتشفت بتجربة ما قبل الحرب العالمية الثانية أن المفكرين فى كل مجالات العلوم والفنون والآداب هم عنصر القلق الرئيسى والمراجعة فى مجتمعاتهم، وأن اجتذابهم لصالح مؤسسة الامتياز والنفوذ والسلطة أولى من تركهم عنصرا للشك والتشكيك فى هذه المجتمعات، وهكذا كان.

ولم تعد المؤسسة الأمريكية هى مجرد محترفى السياسة الحزبية وإنما دُعى إلى صفوفها مفكرون سياسيون تحولوا فى واقع الأمر إلى مهندسى سياسات رجال من طراز دين اتشيسون ومارك جورج باندى وروبرت ماكنمارا وجون ماكلوى وكينيث جالبريث وجورج كينان وجورج بول وهنرى كسنجر وزيجنيو برجنسيكى، وكان هؤلاء هم الذين رسموا خطة المواجهة الجديدة مع الاتحاد السوفييتى وتتلخص فى احتوائه وحصره فى الشرق الأوسط.

وعلينا إن كنا جادين فى التقدم الاقتصادى والسياسى أن نتعلم من تجربة الآخرين ونستعين بشركاء فى الحكم وليس سكرتارية تنفذ دون عقل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف