الأخبار
محمد السيد عيد
عرفت فاروق شوشة
رحل فاروق شوشة. وفاروق شوشة لمن عرفه كان إنساناً بدرجة شاعر، وشاعراً بدرجة مبدع. وكان قمة في كل شئ ؛ في التواضع، وحسن الخلق، والعلم باللغة، وتذوق الشعر. رحل صاحب الصوت الآسر، وراعي لغتنا الجميلة. فألف رحمة عليه.
ربما لايعلم الكثيرون أن فاروق شوشة كان علامة فارقة في حياتي الشخصية دون أن يقصد، إذ كان السبب في أن تقدم الإذاعة أول مسلسلاتي الدرامية عام 82، إذ طلبت منه السيدة سامية صادق، رئيسة البرنامج العام آنذاك، والأستاذ أمين بسيوني، رئيس صوت العرب، أن يكتب لهما برنامجاً يؤديانه بصوتهما في رمضان، إلا أن فاروق شوشة اعتذر لهما، وأصر علي الاعتذار، وأمام إصراره استدعت سامية صادق المخرج مدحت زكي، وطلبت منه أن يبحث لها عن برنامج تؤديه هي وأمين بسيوني في الشهر الكريم.
كان مدحت زكي قبل ذلك بشهور قد سألني : لماذا لاتكتب مسلسلات للإذاعة ؟ فقلت له : وهل طلب مني أحد أن أكتب له وتأخرت ؟ قال : إذن أنا أطلب منك. ماذا ستقدم لي ؟ اقترحت عليه تقديم مسلسل عن مقدمة ابن خلدون. قال : هذا جنون، هذا كتاب يضم نظريات في التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد، كيف سنقدم هذا ؟ قلت له : ماذا ستخسر ؟ سأكتب وإذا لم يعجبك ماأكتبه فأنت في حل من تقديمه. وكتبت له ثلاث حلقات، فأخذها، ووضعها في درج مكتبه، ومرت شهور دون أن يحدثني بشأنها، فاعتقدت أنه صرف النظر عنها.
حين طلبت السيدة سامية صادق منه عملاً تقدمه في رمضان هي والأستاذ أمين قال لها : لدي مسلسل يحتاج لراوٍ وراوية، يمكن أن يكون هو البديل لبرنامج فاروق شوشة، وحدثها عن فكرة المسلسل، فوافقت، ووافق أيضاً أمين بسيوني، وفوجئت قبل رمضان بأيام معدودات أني سأكتب مسلسلاً يذاع في الشهر المبارك علي إذاعتي البرنامج العام وصوت العرب. قلت لمدحت : كيف ستذيع في رمضان وأنا لم أكتب سوي ثلاث حلقات ؟ قال : ستكملهم سبعاً، وسنسجل قبل رمضان بيومين، ثم نواصل العمل خلال الشهر. وقام بحجز الاستديو، وسألني : من تريد أن يقوم بدور ابن خلدون ؟ قلت : عبد الله غيث. كان عبد الله غيث آنذاك يعمل في العراق. فطلب مني ترشيح البديل. قلت : لابديل. لم أر غيره أمامي أثناء الكتابة، لقد رأيت الصور التي رسموها له، وشاهدت التمثال الموجود أمام المركز القومي للبحوث في امبابة، واستقرت صورته في ذهني بأنه هو عبد الله غيث.
أمسك مدحت بالتليفون وطلب منزل عبد الله غيث، وفوجئ بعبد الله يرد عليه. وعرف منه أنه جاء ليقضي الأيام الأولي من شهر رمضان مع الأسرة، فعرض عليه فكرة المسلسل فوافق، وصار كل شيء جاهزاً إلا النص.
حبست نفسي في البيت لأكمل الحلقات سبعاً، ووفقني الله في مهمتي، وفي الموعد المحدد تم التسجيل، ومع بداية رمضان بدأت إذاعة المسلسل، وظهر إلي الوجود كاتب درامي جديد اسمه محمد السيد عيد، وكان سبب ظهوره اعتذار فاروق شوشة عن كتابة برنامج إذاعي رمضاني لسامية صادق وأمين بسيوني.
رغم هذا لم أتعرف علي فاروق شوشة من قرب إلا بعد ثلاث سنوات، فقد كانت تربطني علاقة قوية بالإذاعي الكبير المرحوم علي عيسي، وكانت جلستي المفضلة أثناء وجودي بالإذاعة في مكتبه. ومن حسن حظي أن علي عيسي وفاروق شوشة كانا يجلسان في غرفة واحدة، لذلك أتيحت لي الفرصة لمقابلته بشكل دائم، وتبادل الحديث معه، والتعرف عليه إنسانياً. وأشهد أنه كان من أعذب خلق الله حديثاً، ومن أكثر من عرفت ترفعاً عن الصغائر. رحم الله فاروق شوشة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف