الوطن
حسن ابو طالب
أحلام «الفتى توكتوك»
أنا شاب مصرى أصيل معروف بشهرتى «الفتى توكتوك»، عندى مركبة صغيرة غالباً مستوردة من الهند أو ربما مجهزة فى ورشة لا يعرف عنها أحد شيئاً، وهى غير مرخصة وبدون أرقام مرور، وأكسب ما بين 200 إلى 300 جنيه يومياً حسب الأحوال، أنقل الناس من مكان لمكان، أسمع حكاياتهم وشكاواهم، وأعرف بعض أسرارهم التى يتحدثون عنها بصوت عال وبدون حذر، أحلم أن أكون مشهوراً مثل محمد رمضان أو ميسى، ويكون لدّى فصاحة الفلاح الفصيح أمام الفرعون الجبار، وذكاء ابن البلد الفطرى، وثقافة الحاصل على نوبل، وعلم الدكتور زويل، وحكمة سقراط، وجدلية ماركس، واندفاع لينين وشجاعة ماو، وزهو بوتين وغطرسة أردوغان، ودهاء الثعلب ومكر ابن آوى وكبرياء الأسد، وهى كلها أحلام بسيطة ولكن الزمن مُعاند.

وأهم أحلامى أن يرزقنى الله تعالى بصدفة خير من ألف ميعاد لأظهر على شاشات التليفزيون ألخص أوجاع البلد التى لا يعرفها المُحللون الكبار، ولا يعترف بها أى وزير أو مسئول كبير، وأصبح بين عشية وضحاها مشهوراً والكل يتابع كلماتى وتغريداتى التى يتناقلها الناس على لسانى، فأنا حتى الآن لا أعرف الكتابة أو القراءة كالذين دخلوا الجامعة ويكتبون أسماءهم بصعوبة بالغة، وليس لدىَّ ما يصفونه بالتغريدة وليس لى حساب على «السوشيال ميديا» التى لا أعرف ما هى بالضبط، لكن الأحباء والمعارف يقولون أحياناً على لسانى حكماً وأمثالاً تعلمتها من الحياة، فكل علمى الغزير هو من الحياة التى جعلتنى حكيماً دون أن أدرى وجعلتنى معروفاً بين جيرانى وأقرانى.

وكثيراً ما أدعو الله تعالى أن يجلب لى شهرة جارفة بعد صدفة خير من ألف ميعاد، وأن يرن هاتفى المحمول النوكيا القديم وأسمع صوت مسئول كبير جداً اهتز بكلماتى ويفتح معى حواراً ويزيدنى برؤية الحكومة، ويشرح لى بعض الذى لا أعرفه ولا أفهمه مثل تعويم الجنيه مثلاً، فهل نضعه فى إناء مملوء بالماء وكفى، ثم نشرب هذا الماء، أم نضعه فى حمام سباحة، أم نرميه فى البحر، وهل يكون البحر الأحمر أم البحر المتوسط، وأن يجيب لى عن سؤال مهم خطر على بالى هل الجنيه بيعرف العوم أم هناك منقذ بعوامة ينتظر على الشاطئ؟

ويأخذنى الحلم بعيداً، وأسمع صوت المسئول الكبير قائلاً لى إن كلماتك قد هزت وجدان الأمة التى لم تكن تعرف حالها إلا بعد أن استمعت إلى كلماتى العفوية التى قلتها دون سابق تحضير أو تجهيز أو توجيه من أى كائن حقيقى أو افتراضى أو فضائى، فجاءت كالسهم الخارق للفولاذ، فأقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، فالكل ينتظر منى الكثير حتى يعرف الأحوال التى يعيشها ولا يفهمها ولا يدرك أسبابها، فأصبح حائراً إلى أن جئت إليهم بالخبر اليقين والتحليل الرصين الذى أذهل العامة وأعجب الخاصة، وجعل عقول المسئولين فى حالة دوار بعد سكون طويل.

ويأخذنى الحلم بعيداً، إذ يفد الصحفيون والمصورون جماعات وفرادى إلى منزلى ليحصلوا على آرائى السديدة، وليروا بأم أعينهم، وليُشهدوا الدنيا كلها، أننى الفتى «توكتوك» بسيط الحال أعيش فى شقة فى عمارة من خمسة أدوار فقط، تُطل على شارع عريض لا يقل عن 16 متراً، فى أحد أحياء الطبقة الوسطى فى العاصمة، وأن لدىَّ فقط جهاز تكييف واحداً من نوع شباك اشتريته بالتقسيط صناعة مصرية وليست أجنبية، وثلاث حجرات ومطبخاً ميسور الحال، وأنتريه وترابيزة وعدداً من الكراسى يذاكر عليها الأولاد، وهم 3 فقط والحمد لله، ومعهم أولاد الجيران والمدرس الخصوصى فى اللغة العربية والحساب والتاريخ والجغرافيا وحتى الرسم أيضاً، وفى الصالة أربع لوحات فنية من سوق الكانتو، والأكيد أننى سوف أحيى هؤلاء الصحفيين والمصورين وأقدم لهم الشاى بالسكر حسب طلبهم أو القهوة التى يحبونها كما فى مكاتبهم، أما السكر وحتى لا يتعجب أحد، الذى اشتكيت من نقصانه فى إحدى مداخلاتى العفوية الشهيرة فجاء إلىّ كهدية من الأصدقاء والأهل والتُجار المعرفة فى الحى بعد أن أصبحت مشهوراً أنقل للمسئولين همومهم وطلباتهم، التى تجد استجابة سريعة جداً من المسئولين الكبار الذين أسرعوا بصداقتى وإرضائى حتى لا أقول كلاماً صعباً عليهم ينغص حياتهم ويكشف المستور لديهم.

وكثيراً ما أحلم بحب المصريين جميعاً وتشغلنى فكرة كيف أرد إليهم الجميل، الذين قرروا البقاء فيها أو الذين تشغلهم الهجرة عبر مراكب الموت إياها، وأدعوهم أن يفعلوا مثلى؛ لا يتعلموا ولا يذاكروا ولا يقرأوا ولا يتعبوا أنفسهم فى عمل حكومى أو قطاع خاص، وكل ما عليهم هو أن يشحنوا أنفسهم بكراهية البلد واللى فيها ويقنعوا أنفسهم أن البلد ذاهب إلى ظلام، ويقولوا لأنفسهم صباح مساء ماذا أعطانا البلد حتى نحبه أو نعيش فيه، وأن المسئولين فيه والمؤسسات لا يفهمون أى شىء وهم سبب كل الكوارث النازلة فوق رؤوسنا، والأفضل لهم أن يختفوا تماماً من حياتنا ويتركونا نفعل ما نريد فى أنفسنا وفى البلد الذى لم نعد نحبه.

وإلى أن تأتى فرصة الهروب أو الهجرة، فسوف أدعو أحبائى إلى أن يحصلوا بأى طريقة كانت على «توكتوك»، ويكسبوا رزقاً صافياً بلا ضرائب أو تراخيص، وأن يسيروا بين الحين والآخر بجوار مبنى التليفزيون أو الإذاعة، والأفضل أن يمروا كثيراً بجوار مدينة الإنتاج الإعلامى، فربما يلتقيهم مصور هُمام أو معد برنامج ابن بلد ويفتح لهم الميكروفون ويقولون ما فى قلوبهم ويلعنون بلدهم، وبعدها ستأتى إليهم الشهرة حتماً، لكنى سأحذرهم أن هذه الشهرة مُتعبة وتضع الواحد تحت الأضواء، وناس كثيرة ستريد أن تعرف أخبارهم وأخبار أولادهم وبيتهم، وهو أمر جميل فصورهم ستكون فى كل مكان، والشباب على «فيس بوك» بارك الله فيهم سيقومون بالواجب، وحتى لا يُفاجأوا، فأحيانا تأتى هذه الشهرة بعواكس، وكما فى حالتى تركت شقتى المتواضعة وهربت إلى مكان مجهول، ولا يعرف أحد أين أكون، حتى أشقائى لا يعرفون أين أنا، فقط الذين رأونى فى صدفة خير من ألف ميعاد أوصلونى إلى المكان الجديد وهم من يعرفون، وهم بارك الله فيهم أعدوا كل شىء، وتركوا كثيراً من الطعام وشوية جنيهات، وشوية أوراق خضراء يُقال لها دولار لم أرها من قبل وكله ببركة القدر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف