نبرة استعلائية واضحة أصبحت تدمغ أداء الكثير من الإعلاميين والسياسيين مؤخراً حين يتطرقون بالحديث إلى المواطن العادى، وصل الأمر ببعضهم إلى نعت الشعب بأوصاف لا تليق ولا تستقيم مع خطاب إعلامى وسياسى مهنى، ولننحِّ جانباً موضوع الاحترام. السبب الواضح للغضب على المواطن يرتبط بـ«غضب المواطن». ببساطة يثير غضب بعض المواطنين من الضغوط المعيشية التى يحيون فى ظلالها غضب الإعلاميين والساسة، ويرون أن هذا المواطن شكّاء بكّاء، جاهل أحمق، لا يعجبه العجب، ولا يفهم معنى ودلالات الإنجازات التى تتم على الأرض. لست أقول إن الشعب المصرى خال من السلبيات، فمثلنا مثل كل شعوب الأرض لدينا سلبيات ولدينا إيجابيات، ولا يستطيع أحد أن يمانع فى أى جهد إصلاحى يستهدف تطوير شخصية المواطن، ومحاصرة سلبياته وتعظيم إيجابياته، لكن إصلاح الشعوب لا يتم بالشتم أو التسفيه أو التحقير من شأنها، لأن من يشتمون أو يسفّهون ليسوا من عجينة أخرى غير العجينة التى سوّى الله المصريين منها، ولا أريد أن أفتش عن النوايا وأقول إن هؤلاء لا يقصدون الإصلاح قدر ما يجتهدون فى إسماع المسئولين النغمة التى تطربهم، حين يلصقون المشكلات والأزمات بالشعب، ليبدو المسئول بريئاً طاهر الذيل، ويظهر وكأنه ضحية حمق الشعب!.
الشتمة الكبرى التى تروج على ألسنة هذا الصنف من السياسيين والإعلاميين والمنظّرين ترتبط بضعف إنتاجية المواطن المصرى، وعزوف نسبة لا بأس بها من المصريين عن العمل. كون المصرى ضعيف الإنتاج هذه مسألة لا خلاف عليها، فهو بالفعل كذلك، لكن هل يرتبط هذا الأمر بالمواطنين وحدهم؟ بعبارة أخرى، هل المواطن الذى يتمتع بوصف مسئول ينتج أكثر من أى موظف؟!. يتهم هؤلاء المواطن المصرى بأنه واسع التطلعات، ويهوى «الهبش السريع» دون بذل جهد، وهو كلام صحيح إلى حد كبير، لكن هذه الآفة نتاج ثقافة تكرست عبر العقود الثلاثة الماضية أصبح فيها الفساد اقتصاداً، والاستبداد سياسة!. مؤكد أننا كشعب يعوزنا الإصلاح، وأننا فى أمسّ الحاجة لتغيير ثقافتنا فى العمل والحياة، لكن الشتم والتسفيه لن يحل المشكلة، ولن يؤدى إلى إصلاح. وعلينا ألا ننسى أن من بين المواطنين العاديين البسطاء، خرجت ولم تزل طوابير الشهداء الذين يدافعون عن تراب الوطن، أليس ذلك هو «الشعب العظيم»؟!.
القدوة الحسنة أسهل وسيلة للإصلاح. الإعلاميون الذين يحقرون الشعب لديهم دخول خيالية، فليقدموا القدوة الصالحة ويتنازلوا عن نسبة من مرتباتهم لصالح «الغلابة». والمسئولون الذين يعتبرون المصريين أصل المشاكل، لأنهم يسرقون النور ولا يدفعون المياه ويخزنون السلع، عليهم أن يقدموا القدوة ويعيدوا ما سرقه مسئولون زملاء لهم، سابقون أو مراصفون، حتى يتشجع المواطن ويُبلغ عن لصوص النور ومن يخزنون السلع. والمنظّرون الذين يرون أن هذا الشعب لا يريد أن يضحى من أجل المستقبل عليهم أن يقدموا للمواطن قدوة صالحة فى التضحية بحاضرهم (تعليم أبنائهم فى المدارس الدولارية أو الإسترلينية مثلاً) من أجل المستقبل الزاهر الذى يعدون به. أرجو أن يتريث من دأبوا على تسفيه المواطنين العاديين -خلال الفترة الأخيرة- ويستخرجوا الخشبة التى فى أعينهم قبل أن ينظروا إلى القذى فى عين الناس!.