لا أذكر المرة الأولي التي قرأت فيها كتابا رسم غلافه جمال قطب. ما أذكره أن الكتاب كان عن نجيب محفوظ. كنت قد قرأت أعمال كاتبنا الكبير بأغلفة من رسوم فنانين مختلفين. بدا لي رسم جمال قطب مغايرا حين طالعني في مكان لا أذكره. ربما مكتبة عامة أو خاصة أو عند بائع صحف.
كانت صناعة الكتاب مزدهرة. حتي أن الأرقام تشير إلي الآلاف العشرة من نسخ كل رواية أو مجموعة قصصية لمحفوظ. خمسة آلاف نسخة في بداية العام. وخمسة آلاف في منتصفه. وكانت الطبعات تتوالي بواقع طبعة جديدة كل عام "بوسعك ملاحظة ذلك بالعودة إلي قائمة طبعات كتب محفوظ في الصفحات الأخيرة من كتبه". عكست دور النشر الراسخة رواج سوق الكتاب: دار الهلال. مكتبة مصر. دار القلم. دار المعارف. الأنجلو. الخانجي. نهضة مصر. عالم الكتب. وغيرها.. تطبع من كل كتاب آلاف النسخ. لا تكتفي بعرضه في المكتبات. وإنما تزيد من دوائر توزيعه بحيث يصل إلي القارئ الذي يحرص علي اقتناء الكتاب. ويعني بتكوين مكتبته الخاصة. بل إن مهنة التجليد لقيت رواجا. لحرص عشاق القراءة علي أن يحفظوا المؤلفات التي اقتنوها في مجلدات. وأذكر أن معظم الكتب التي قدمت بها - ذات عصر شتوي - من مدينتي إلي القاهرة. كانت مجلدة. وعلي كل منها عنوان الكتاب. واسم مؤلفه. واسم صاحب النسخة. كانت علاقة القارئ بالكتاب ممتازة. يقتني القارئ الكتاب الذي يريد قراءته. بصرف النظر عن مستوي الطباعة ونوع الورق. إلي جانب أن أغلفة الكتب لم تكن بالجودة التي هي عليها الآن.
ظني أن رسوم جمال قطب في أغلفة نجيب محفوظ. وداخل الكتب أحيانا. كانت مؤشرا للتطور الملحوظ الذي بلغته صناعة الكتاب من حيث الطباعة والإخراج الفني. بما مثل دعما لهذه الصناعة التي كانت - ذات يوم - ملمحا مهما في الاقتصاد المصري.
التقيت جمال قطب - للمرة الأولي - سنة 1976 في فندق بالرياض. كان يستكمل مشروعا ضخما بدأه قبل سنوات. وهو تسجيل التاريخ السعودي الحديث في لوحات. تضمها دار الملك عبدالعزيز بالرياض.
عدت إلي القاهرة. وفي يقيني أن جمال قطب لن يقصر إسهاماته علي رسم أغلفة الكتب. إلي جانب التدريس في الجامعة. وهو ما تحقق بالفعل. حين بدأت مكتبة مصر في إصدار موسوعة أعلام الفكر العربي. اختار سعيد السحار مجموعة من المثقفين الشباب لتجميع مادة الموسوعة: محمد رضوان. سليمان جودة. زينب العسال. إبراهيم عوف وغيرهم.. لكن الفنان الوحيد الذي اختاره السحار لرسم بورتريهات الموسوعة هو جمال قطب. لم يفاضل السحار بين الفنانين. وإنما حدد اسم جمال قطب. ثم بدأ في البحث عن الأسماء التي يمكن أن تعينه في تجميع المادة. ثم يتولي بنفسه صياغتها.
طبيعي أن إسهامات جمال قطب لم تقتصر علي رسم أغلفة الكتب ولوحاتها الداخلية. فمن أشهر لوحاته الإعلامية مجلد "انتصار بورسعيد". وسجل بلوحاته أحداث ثورة 23 يوليو. ومعارك التحرير العربية. وأقيمت لأعماله معارض خاصة - في مناسبات مختلفة - في القاهرة والأقاليم. كما درس. وحاضر. وشارك بجهد لافت في المؤتمرات التي جعلت الفن محورا لها.