حينما أشاهد أو أسمع عن شخصيات مُحيرة وغامضة وتُحاط بهالات وأوهام وأساطير ممزوجة بقدرات وقوي خارقة سواء من الماضي أو موجودة معنا في الحاضر، أستحضر علي الفور موقف قد حدث لي خلال دراستي الجامعية عند عودتي لبلدتي يوم دراسي في سيارة أجرة خاصة بأبناء البلد فقط، وكان ضمن الركاب في ذلك اليوم رجل ضئيل الحجم وشبه مُلثم-لا يكار يعرفه أحد، ومنذ بدء تحرك السيارة فرض هذا الرجل نفسه علي الجميع وبدأ في قمع وإرهاب أي راكب يحاول إبداء رأي آخر غير رأيه سواء بعلو صوته أو الإهانة اللفظية، ومنع الكلام والهمس بين الراكبين. إندهشت وتعجبت لصمت بعض الموجودين بالسيارة ممن يُحسبون عمالقة جسدياً والذين كانوا دائماً ما يتكلمون عن شجاعتهم وجرأتهم في مواقف قد واجهوها في حياتهم، إلا أنهم في ذلك الموقف أصبحوا حملان وديعة أمام هذا المُلَثم المُستأسِد علي الجميع بما يسميه البعض "الصمت الجبان"، فالكل كان خائفاً جباناً وماتت الشجاعة في الجميع، وغابت عنهم مقولة "وول سونيكا" والتي تقول "يموت الإنسان داخل كل قلب يقف صاحبه صامتاً في وجه الطغيان". وحينما تحرك سائق السيارة بناءاً علي توجيهات ومزاج هذا الرجل، كانت النتيجة أننا تأخرنا عن موعد عودتنا المعتاد، بالإضافة الي إستنفاذ طاقتنا قلقاً ورعباً وتعب أعصابنا، وعندما وصلنا ونزل الجميع من السيارة بما فيهم الرجل الملثم وبعد أن كُشف الغطاء عن وجهه وأبان عن شخصيته وبدأ يسرع في خطواته مبتعداً، أصيب الجميع بالدهشة والذهول من صدمتهم حينما عرفوه، وسارع احدهم قائلاً أليس هذا هو "عادل السيد" الضعيف الشخصية والذي ينال يومياً شتيمة وضرباً من زوجته؟. سألت نفسي بعد مرور سنين: لماذا كان كل هذا الجبن والخوف والسلبية من الجميع؟ هل هي نتاج الإنسحاق النفسي والفكري والذل والهوان والحرمان الذي عاشه الناس منذ أواخر الثمانينات وخلال التسعينات من القرن الماضي جراء الإنفتاح-الغير مقنن- والذي جعل لسان حال البعض قائلاً "مش مشكلة أعيش نذل وجبان بس أموت مستور"؟. أما عن السلبية التي نلمسها في البعض في مجتمعاتنا الحالية فأكبر الظن أن أحد أسبابها هو ما يشاهده الناس من برامج في الفضائيات والتي تعمل علي تجهيلهم وتجريف عقولهم وتزييف وعيهم وترهيبهم وترويعهم بالإضافة لإغراقهم في الهلاوس والضلالات. يقول بعض المفكرين أن "الشجاعة" ليس عكسها "الجُبن" وإنما الخضوع الطوعي الذي يفرض حالة من العبودية الذهنية التي تجعل الناس سجناء بناء علي حكم أصدروه بأنفسهم.