المساء
مؤمن الهباء
العرب في "ليبرلاند"
لاشك عندي في أن العرب هم أسعد الناس علي ظهر الأرض بإعلان المواطن التشيكي فيت جيدليكا عن إقامة دولته "ليبرلاند" في المنطقة غير المأهولة بين كرواتيا وصربيا.. والتي تبلغ مساحتها 7 كيلو مترات.
يؤكد ذلك أنه لم تكد تمر ساعات قلائل علي إعلان الدولة.. وقبل أن تحصل علي اعتراف من جهة في العالم.. اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي علي شبكة الانترنت بأسماء الراغبين في الهجرة إلي هذه الدولة الوليدة.. وكان معظم الراغبين يحملون أسماء عربية.. وهو أمر غير مستغرب بالنظر إلي الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنون العرب في بلدانهم هذه الأيام ما بين حروب طائفية ومذهبية وصراعات قبلية وحزبية وأزمات سياسية واقتصادية لاتنتهي.
العرب هم أكثر شعوب العالم رغبة في الهجرة إلي وطن آخر أكثر أمناً وسلاماً بعد أن دمروا وطنهم.. وخربوا كل شيء جميل فيه بسبب جشعهم وفشلهم وتعصبهم.. وعدم قدرتهم علي التعامل بأدوات العصر المتحضرة مثل التعايش والحوار والديمقراطية.. وهي أدوات تتعامل بها شعوب العالم أجمع بينما لايعرف العرب غير الاحتكام إلي السلاح والدم فكانت الحروب وكانت المذابح التي يحاولون الهروب منها إلي "ليبرلاند".
وكان المواطن التشيكي فيت جيدليكا قد بشر العالم بإقامة دولة جديدة في أوروبا باسم ليبرلاند ــ أي أرض الليبرالية ــ التي سوف تستقبل آلاف المهاجرين الراغبين في حياة كريمة آمنة.. حيث لن يخضع أي مواطن فيها للتصنيف وفقا للعرق أو الجنس أو الدين.. وسيكون شعارها "عش ودع الآخرين يعيشون".. لن يكون لها جيش لأنها ستعلن الحياد ولن تدخل في صراعات مع أي دولة أخري.. ولن تفرض الضرائب علي مواطنيها.
باختصار.. الأخ جيدليكا يعد كل بني البشر بدولة مثالية.. بالفردوس.. بالـ "يوتوبيا" التي حلم بها الفلاسفة كثيراً ولم تتحقق أبداً علي أرض الواقع.. كأنه يقول : هذه جنة المرهقين والمتعبين.. هذه دولة الرحمة والأمن والسلام لكل من يرغب في الأمن والسلام ويعرف كيف يستمتع بهما.
وماذا يريد العرب أكثر من ذلك؟!
كثير من العرب لديهم المال لكنهم لايشعرون بالأمان في أوطانهم.. وكثير من العرب سئموا الجدل السياسي والصراعات الفكرية والأحزاب.. سئموا التحالفات والثورات والانتخابات.. ولم يعد لديهم أمل في العيش غير الهجرة إلي بلاد بعيدة.. بلاد لاتعرف الفقر والاستبداد والتعصب والكراهية والفساد.. بلاد لاتعرف القتل لأتفه الأسباب.
ولكن.. لماذا لم ينجح العرب في إقامة دولة بهذه المواصفات في بلادهم رغم الشعارات الفضفاضة التي رفعوها طوال تاريخهم ورغم الثورات والحروب التي أشعلوها باسم "الحرية"؟!
لقد وصلوا الآن الي لحظة الحقيقة.. لحظة المكاشفة.. بعد تاريخ طويل من الزيف والتضليل وخداع النفس.. والإدعاءات كثيرة لكن الواقع في النهاية هو الذي ينطق بالحق.. والواقع صار أليماً ولايخفي علي أحد.
وهل هناك من ضمانات تؤكد أن العرب إذا جاءوا إلي "ليبرلاند" سيأتون بروح جديدة.. ويتركون أمراض التخلف والتعصب في بلدانهم أم يحملون فيروساتهم معهم فيفسدون المجتمع ويجهضون أحلامه؟!
لا أحد يستطيع أن يضمن شيئا.. لكن التجربة تقول إن العرب الذين هاجروا إلي أوروبا وأمريكا نجحوا وتأقلموا مع النظم الجديدة.. وكثير منهم ترك فيروسات التخلف وراء ظهره.. والأمل كبير في أن تكون ليبرلاند بداية جديدة لجيل عربي جديد.. وربنا يستر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف