اجلس مع متشائم أو معارض مغرق في المعارضة. ستري الدنيا سوداء أمام عينيك.. اجلس مع متفائل في الطرف الآخر من المعادلة. سترقص طرباً وأملاً وفرحة.. هكذا تبدو المعادلة المصرية هذه الأيام.. تعتمد علي من يتقن الكلام أكثر ويجيد الاقناع ولديه مجموعة من الأرقام حتي لو اخترع بعضها من نسج الخيال أو استقاها من "آفتنا الجديدة" المعروفة بـ "الفيس بوك".. الأمر مرهون بمن يبدأ وبامكانه الأخذ بدفة الحوار وتوجيهها حيثما يريد والمدهش أن الحالة المصرية بمعطياتها تحتمل باقتدار كلا الاتجاهين. بفعل ضبابية صنعها الإعلام حتي لو ادعي أنه يساند الدولة. وبفعل ظروف متشابكة تمتد من الداخل إلي الخارج والعكس.
عموماً. يبدو ذلك مقبولا ولا غبار عليه. طالما أنه في إطار الرأي والرأي الآخر. الذي قد ينتهي باقتناع طرف أو تحوله من شاطيء إلي آخر. لكن القاسم بين الاثنين. والذي لا يجب أن يقبل الخلاف هو "الوطن".. بإمكاننا أن نختلف وأن نجادل وأن ننتقد وأن نتهم.. لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن. فلا سبيل إلا الاصطفاف. وغير ذلك. لن يفسر إطلاقا بأنه حب للوطن أو رغبة في الإصلاح والملاحظ أنه لا جانب من الفريقين أنصف الآخر. فلا المعارضون نظروا بإنصاف لما يحدث علي أرض الواقع من مشروعات تجاهلها الإعلام الرسمي والخاص عن عمد. ولا المساندون علي الدوام أنصفوا من أرقهم اليأس وآلمهم الفساد.. كل طرف يصر أنه الأعلم ببواطن الأمور وظاهرها.. كل طرف يخون الآخر. وهنا من يدفع الثمن هو الوطن.
لا شك أن الدولة المصرية خلال العامين الأخيرين حققت إنجازات كثيرة علي الأرض. لا ينكرها إلا جاحد. فقد حفرنا قناة جديدة وأنشأنا شبكة طرق عملاقة وواسعة وتوسعت الدولة بشكل ملموس في بناء وحدات الإسكان الاجتماعي. وقضينا تقريبا علي أزمات الكهرباء التي أرقتنا لسنوات. وشهدت الفترة الماضية اكتشافات هائلة علي صعيد الغاز. وبدأنا مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان. وانتقلت المدابغ إلي الروبيكي ايذاناً بعصر جديد ننفتح فيه علي العالم. وقريباً ستكون مدينة الأثاث بدمياط. وبدأنا التنمية بسيناء ومدن الإسماعيلية والعلمين الجديدة وهضبة الجلالة ونتطلع إلي بناء محطتنا النووية في الضبعة. وبدأنا إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. والأهم أن كل ذلك تزامن مع خطوات علي الأرض آتت ثمارها في سبيل الاتجاه للإنسان نفسه. فحقق مشروع علاج مرضي فيروس سي نجاحات منقطعة النظير. ويكفي أن قوائم الانتظار انتهت وأن نسبة المصابين بالمرض تتضاءل يوماً بعد يوم. والكثير مما تحقق لكن معظمه بحاجة إلي وقت حتي يؤتي ثماره. ويصبح رقماً في الموازنة أو في الناتج القومي.
في المقابل. هناك بالطبع مازلنا ننتظره.. هناك الفساد الذي لم نتمكن من كبح جماحه حتي الآن. والتعليم الذي يتخبط ومنظومة الصحة التي تحتاج إلي نسفها. كما أن ملف العدالة الاجتاعية يمشي بخطي السلحفاة. والكثير من الملفات الشائكة. التي أعتقد أنها ليست غائبة عن صانع القرار. لكن التحديات كثيرة وما تتعرض له البلاد. أحيانا يكون سببا في تأجيل فتح ملف من تلك الملفات الملتهبة.
المهم..
أن هناك عملاً وسعياً وشواهد علي الأرض. وأن البديل الذي ينادي به البعض لا يمكن تصوره ولا احتماله.. دعونا نختلف كما نريد لكن ليبقي الوطن بمنأي عن أي خلاف.. لا تحرقوه بدعوي البناء ولا تدمروه بدعوي المعارضة. ولا تقارنوا بين ما نحن فيه وأية فترة أخري. فالوطن الآن يدفع الضريبة عن الجميع.
ما قبل الصباح
هناك حولك.. من لا يجد وطناً إلا علي الخريطة