عبد المنعم فؤاد
المرجفون في الإعلام ومؤتمر الإفتاء
لم يجد المرجفون في المدينة أي إيجابية للمؤتمر الذي أقامته دار الإفتاء المصرية منذ أيام ليكتبوا عنها، ويقدموها للشباب لتأخذ بأيدهم إلي بر الأمان، والابتعاد عن التطرف، والتوتر الفكري، وتبين لهم أن مصر عامرة بإذن الله، ولا يمكن لأحد أن يذهب بهذه الدولة المباركة إلي دنيا الخراب، أو النسيان كما يريد الحاقدون، لم نجد واحدا من هؤلاء الذين يدعون أنهم كُتّاب كبار - يفخر بأزهربلاده الذي استضاف علي أرض الكنانة أكثر من ثمانين دولة، ونظمته يد من أياديه المباركة : دار الإفتاء التي هي جزء لا يتجزأ من الأزهرالشريف فهي امتداد من امتدادات الأزهر، والكل لا يهمه سوي المحافظة علي الأمن الفكري، والعقدي لأبناء مصر، والمسلمين في العالم.
لم يقل هؤلاء شكرا للأزهر، وابنائه الذي نظموا هذا المؤتمر، وحضره النخب، والقامات العلمية من كل أنحاء الدنيا ليتحقق لديهم أن مصر هي حقا بلد الأمن، والأمان، وفيها من الخير ما فيها، وليس كما يصورها البعض خارج البلاد بأنها علي شفا حفرة من الفتن، والقلق والغلاء،.
فمصر ليست كذلك ولن تكون بإذن الله.
لم يكتب هؤلاء عن هذه الإيجابية، وأمثالها، ولم يشغل بالهم مكانة مصر، وأزهرها الشريف في قلوب هؤلاء الحاضرين، ولا وحدة الصف المطلوبة الآن من الداخل،وتصدير صورة طيبة للعالم عن هذه الوحدة، لكي تنتعش السياحة الترفيهية، والصحية، والعلمية، والتي تتميز بها مصرنا دون غيرها من البلاد، ولكن كان هم هؤلاء: أن يختلقوا الأراجيف، ويختلقوا سلبيات بأي وسيلة كانت، ويروجوا لمواقعهم، وصحفهم الصفراء بعناوين بها إثارة ليس أكثر،، وأضرب أمثلة علي ذلك منها عنوان رصد صاحبه كلمة الإمام الأكبر فكتب : ( كلمة الطيب بمؤتمر الأقليات تعري خلافات الأزهر والإفتاء ) وآخر كتب : ( خلافات تحت الرماد بين الأزهر والإفتاء يظهرها المؤتمر ) وثالث يكتب (شيخ الأزهر يحرج المفتي في المؤتمر وينتقد عنوان الأقليات) ورابع يكتب :
(علامات الغضب تظهر علي وجه شوقي علام بسبب انتقاد الطيب له) الخ.
وهكذا ظهر العباقرة في صحفهم هذه محللين، وسياسيين، ومفتين وأطباء نفس يعرفون كيف تظهر علي الوجوه علامات الغضب فيكتبون لها مانشتات، وعناوين.
وكنت أود أن يشغلوا أنفسهم بما هو مفيد، وأن يتأملوا، أو يتعلموا طالما هم لا يعلمون : تلك الرسائل التي أرسلها فضيلة الإمام في خطابه في المؤتمر، وألقي بها في أحضان الحاضرين لتكون لهم نبراسا في حياتهم العلمية، وحل مشاكلهم الواقعية، ومن أبرزها قضيتا : الاجتهاد، والمواطنة
ففي مسألة الاجتهاد : جاء الخطاب لتشجيع العلماء، وفتح باب الاجتهاد لمن يملكون ضوابطه ليقفوا علي مُعاناة الناس اليومية ويجدوا لهم الحلول، فشريعتنا بها حل لكل معضلة، وقال فضيلته صراحة: (أسجل هنا أن علماءنا،ومفتينا في القرن الماضي كانوا أكثر شجاعة من علمائنا اليوم علي اقتحام قضايا وأحكام مست حاجة الناس إلي تجديدها والاجتهاد فيها في ذلكم الوقت).
فهل هذه الصراحة في محاولة تشجيع علماء اليوم ليكونوا مثل علماء الأمس في معالجة القضايا التي يتعثر في فهمها المسلمون: تجعل الغضب يظهر علي وجه فضيلة المفتي كما فهم الكتاب الجهابذة ؟
أليست هذه خطوة هامة في محاولة فهم الواقع، وتجديد الخطاب الديني ليس لمصر وحدها بل للعالم الإسلامي كله ؟
إن التهيُب من اقتحام الواقع يرفضه إمام الأزهر، والذي تثق الدنيا في كلامه : فالعالم المفتي قد يلم بما في بطون الكتب، ولكن في نفس الوقت لايُعايش الواقع، ولا يعرف كيفية التطبيق، ولا كيف يُنزّل الفتوي منازلها، ولا يستطع أن يعبر بها الزمان، والمكان فتكون الطامة، لأن الناس يريدون من يفهم واقعهم، ويعطيهم الحلول الشرعية المناسبة لهذا الواقع، وليس من يملك فتاوي قديمة جاهزة، ومعلبة، ويريد أن يعبر بها القارات،، فإمام الأزهر ضد هذه الفتاوي المُعلّبة، لأن كل بلد له فتوي تناسب حاله، والعُرف فيه، فهل الفتوي النازلة الآن لمسلم في مقديشو مثلا تناسب المسلم الذي يوجد في بكين بالرغم من أن النازلة قد تكون واحدة شكلا، ولكنها تختلف موضوعا، وهكذا أراد الإمام الأكبر من علماء الأمة الذين حضروا علي أرض مصر ألا يغيبوا عن الواقع، ولا مانع أن يكون هناك تنسيق بينهم علي المنهج، ولكن ليس علي الاتحاد في الفتوي، فكل بلد له ما يناسبه.
والإمام لم يقل ذلك عن فراغ إنما كلامه له ظل في الواقع الإسلامي،فالإمام الشافعي كان يُفتي في النوازل بالعراق، ولما جاء لمصر كان يفتي في نفس النوازل بفتوي مغايرة تماما لما في العراق لاختلاف المكان، والزمان،.
فما أحوجنا الآن إلي شافعي العصر الحديث الذي يعايش القوم،ويعالج مشاكلهم بسهولة، ويسر. وفي نفس الوقت لا يخرج الثوابت الشرعية ليرضي الناس، بل عليه أن يعلم أنه مؤتمن علي شرع الله، ولا يجامل علي حسابه، وهذه هي الوصية التي أوصي بها الإمام الأكبر العلماء حين قال وهويتحدث في مسألة تعدد الزوجات :
(إنني أرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تعاليم الإسلام) ليقطع الطريق علي المزايدين الذين يريدون (شو) علي حساب الأزهر والعلماء.
أما حديثه عن مصطلح الأقليات، والذي ادعي المرجفون أنه أحرج ونقد دار الافتاء في ذلك!، فالإمام لم يكن في ذهنه ما يرمي إليه هؤلاء إنما أصّل للمصطلح، وبين أنه دخيل :
(وأنه يحمل في طياته الشعور بالعزلة والدونية، ويمهد الأرض لبذور الفتن والشقاق في أي مجتمع).
ثم بين أن الإسلام يرفض هذا التهميش، ويستبدل المصطلح: بالمواطنة.
وفضيلته محق في تبيان ذلك ليقطع الطريق علي من يتهمون ديننا بالعنصرية، وإقصاء الآخر.
وصدق فضيلته : فمجتمع المدينة الذي أقامه الرسول- صلي الله عليه وسلم- لم يقل بالأقلية اليهودية بل قال النبي في دستور المدينة : » إن اليهود أمة مثل المسلمين لهم مالنا وعليهم ما علينا » والثقافة الإسلامية لا تعرف الإقصاء للآخركما نري عند غيرنا ففي عهد عمر- رضي الله عنه- تم إنشاء ديوان - أو وزارة للتضامن الاجتماعي - إن صح التعبير- لإعطاء الفقراء حقوقهم المالية من الدولة بسبب أن عمر رأي يهوديا عجوزا يتسول الناس فجعل له حقا في بيت المال لأنه مواطن في دولة الإسلام.
وفي الأندلس التي عاش فيها المسلمون قرونا لم يفرقوا بين أحد، لأن الجميع أمام القانون واحد.
،وفي عصرنا لا يقبل الأزهر أن يُطلق علي المسيحيين في مصر لفظ الأقلية بل هم مواطنون مصريون لهم كافة الحقوق كما لأي مواطن، والأزهر بذلك يدافع عن كيان مصر، ووحدتها، لأن أعداء مصر دائما يريدون أن يلعبوا علي وتر الطائفية بهذه الورقة التي يسمونها الأقلية، ولكن أهل مصر عن ذلك لا يغفلون .