الأخبار
د . سيد خطاب
موال النهار ثقافة الدولة الوطنية »
ظل مفهوم الدولة الوطنية في حوار دائم مع مفاهيم الدولة القومية والخلافة في مصر لكل منهم مناصروه ومؤيدوه والداعون إليه منذ دخول الاسلام إلي مصر وتفاعلت مصر مع مفهوم الخلافة بأشكال متعددة علي امتداد هذا التاريخ الطويل حيث ظل مفهوم الخلافة باعتباره نظاما للحكم يفرض نفسه علي طبيعة العلاقة بين مصر الدولة المنضمة حديثا للإسلام ومراكز الخلافة المتعددة من المدينة إلي بغداد إلي دمشق فالقسطنطينية.... إلخ مابين تبعية دولة كبري إلي عرش الخلافة شأنها في ذلك شأن العديد من الولايات التي دخلها اﻹسلام وأصبحت جزءا من الخلافة اﻹسلامية والتي امتدت فتوحاتها إلي جنوب فرنسا غربا وحدود الصين شرقا وبعض مناطق أوروبا شمالا وبعض مناطق إفريقيا جنوبا وعلي خلاف العديد من هذه المناطق التي اكتفت بانتشار الإسلام فيها مجاورا لأديان أخري كانت مصر مركزا أساسيا لصناعة نظام الحكم الذي تبنته الدولة الإسلامية حتي أنها تحولت إلي المركز الرئيسي المدافع عن حدود وأطراف ما يمكن أن نطلق عليه الدولة الاسلامية وظل هذا المفهوم في مصر ذا طبيعة خاصة حتي أن الخلافة الفاطمية وهي احد اشكال وصور ذلك النظام كانت عاصمتها القاهرة وظل مفهوم الخلافة يتأرجح بين كونه نظاما دينيا فرضته الشريعة اﻹسلامية علي كل أتباع هذا الدين وكونها مجرد نظام في الحكم يمكنه أن يتحاور مع الانظمة السابقة عليه بين الدين والسياسة كان دائما مفهوم الخلافة سؤالا جوهريا للمؤيدين والمعارضين لهذا المفهوم وعلي الرغم من أن كثيرا من المسلمين يعتبرون أن مرحلة الخلافة كنموذج أمثل انتهي برحيل الخلفاء الراشدين وبداية مايسمي بالملك العضوض لبني أمية ومن بعدهم العباسيون وكافة الأنظمة التي تلتهم بما في ذلك الدولة العثمانية والتي هي محض أنظمة سياسية اكتست بثوب الدين،شهدت مصر تطورا مغايرا لكثير من المناطق اﻷخري فبعد عصور الولاة التابعين لمراكز الخلافة المتعددة كانت دولة المماليك ودولة اﻷيوبيين تعطي للدولة المصرية خصوصية في نمط الحكم وبعدا استقلاليا في القرار لكن لم يمنع ابدا من نهب خيراتها لصالح هذه المراكز المتعددة، وعلي المستوي الآخر كانت مصر بكثافتها البشرية وجندها اﻷشداء هي الدرع الذي يستنفر دائما لصد العدوان عن هذه الخلافة حتي ان تجهيزات ومعدات الجيوش التي انطلقت غربا وشرقا وشمالا وجنوبا كانت تعتمد علي الشعب المصري في كافة احتياجاتها وإن تصدرت كتب التاريخ أسماء غير مصرية حتي أن نهايات الدولة العثمانية آخر انماط الخلافة الإسلامية لم تجد بديلا للمهندسين والحرفيين المهرة إلا المصريين لكي يقوموا ببناء عاصمة الخلافة بمآذنها وقبابها التي ما تزال فخرا يتباهي بها العثمانيون الجدد الذين يحلمون بعودة الخلافة الاسلامية.
ومع نهاية الخلافة العثمانية سنة 1923 وجميعنا قد درس في مراحل التعليم المختلفة أسباب انهيار وسقوط الخلافة العثمانية وعودة مركزها الاساسي تركيا إلي صيغة الدولة الوطنية الحديثة بعد أن جمعت الكثير من خيرات الولايات التي كانت تتبعها ماديا وبشريا وبعد ان احتلت العديد من هذه الولايات بما فيهم مصر وجدت مصر نفسها في مفترق طرق أنظمة الحكم المختلفة فهي دولة محتلة من الإنجليز يحكمها خديو تابع للخلافة وهي بحكم تاريخها الحضاري تشعر بأنها دولة كبيرة مستقلة وذات سيادة ولكنها وهي من تمكنت من الارتباط بالعالم الغربي مبكرا عبر البعثات العلمية تتنازعها أفكار شتي ورؤي متعددة فاستقرت علي النظام الملكي باعتباره نقطة اتصال ووسطية شجعها عليه نموذج الحكم في بريطانيا وهي التي بدأت مشوارها البرلماني قبل هذا التاريخ بأكثر من نصف قرن ولأنها الدولة المركزية اﻷقدم في التاريخ لم يرضها أو يحقق مكمن قوتها الملكية الدستورية التي تقوم علي برلمان منتخب وحكومة وطنية تصدر عن البرلمان ﻷن سلطات الملك كانت ترسخ للمفاهيم المركزية ولذا ظلت تجربتها الديمقراطية حتي نهاية حكم الملك إطارا ثقافيا أكثر منه.
فعالية في الواقع، وأصبحت اﻷحزاب هي الملاذ الوحيد للنخبة المثقفة وكبار الملاك والتجار الذين استمدوا معرفتهم من الغرب وفي نفس الوقت وعلي التوازي ظلت فكرة الخلافة تعبث بعقول بعض من المصريين فكانت جماعة اﻹخوان المسلمين التي انشأها حسن البنا 1928م معبرا وداعيا إلي عودة الخلافة اﻹسلامية باعتبارها النموذج اﻷفضل الذي يعيد الدولة اﻹسلامية إلي سابق عهدها وهو السير في عكس اتجاه التاريخ ومغالطة للمفاهيم السياسية وعبثا بأحلام البسطاء من المصريين الذين تأثروا كثيرا بهذا الخلط في المفاهيم وعلي الرغم من هذه الرحلة الطويلة التي استعرضناها معا في كلمات قليلة الا ان هناك العديد من المحطات التاريخية التي اكدت لمصر والمصريين خصوصيتهم ومكمن قوتهم والقدرة علي صناعة تاريخ مستقل وعلينا أن نتلمس معا ملامح هذه القوة وعبقرية الاستقلال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف