الأخبار
سامى شرف
عبد الناصر والقطاع العام
لقد دفع الشعب ثمن التضحية بالقطاع العام وبدلا من مجتمع الكفاية والعدل الذي كان يسير بخطي ثابتة نحو تحقيق أهدافه يقوم الآن وبعد عقود من الانفتاح المزعوم أصبح مجتمعا مريضا تتفاقم متناقضاته كل يوم بل كل ساعة وتتربع علي قمته حفنة من أصحاب البلايين والملايين كما لم يسبق في تاريخ مصر المحروسة علي حساب محيط متلاطم من محدودي الدخل وسكان القبور والعشوائيات، قد يكون من المناسب أن أتعرض باختصار لديون مصر في إبريل سنة ١٩٧١ ولقد كانت كلها ديون إنتاج وليست ديون استهلاك.
الاتحاد السوفيتي ٣٨٥ مليون دولار (السد العالي - التصنيع - الزراعة) الولايات المتحدة الأمريكية ٢٠٥ ملايين دولار (مستلزمات إنتاج - دخان - شحومات - قمح من ١٩٥٨ حتي ١٩٦٥ - صناعات دوائية) إيطاليا ١٢٢ مليون دولار (صناعة - صناعة دوائية) ألمانيا الغربية ١٠٦ ملايين دولار (مستلزمات إنتاج - صناعات دوائية وكيمائية - صناعة) الكويت ١٣٠ مليون دولار بالإضافة الي ديون اقل لليابان وبعض البنوك الأجنبية وكان الدين العسكري للاتحاد السوفيتي يصل الي حوالي ١٧٠٠ مليون دولار من مجموع ٢٢٠٠ مليون دولار سدد منها ٥٠٠ مليون دولار.
كما قدمت دول البترول العربية لمصر حتي سنة ١٩٧١ مبالغ وصلت الي ١٢٠ مليون جنيه إسترليني مقارنة بمبلغ ١٢٢ ألف مليون دولار قدمت لمصر من هذه الدول في الفترة من ١٩٧١ حتي ١٩٨٠ وكانت ديون مصر في هذه السنة (١٩٨٠) ١٤ ألف مليون دولار.
كما أجد أنه من المناسب أن أتعرض بشكل سريع للإنفاق الخارجي للثورة بالنسبة للجزائر لم تتجاوز المساعدات التي قدمت للجزائر الستين مليون جنيه وقد ردت الجزائر هذا المبلغ وربما أكثر خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ بالنسبة لسوريا لم ننفق شيئاً وكل ما أخذته سوريا هو الحق في حصيلة قناة السويس تستخدمه بالنقد الأجنبي ولم تستعمل هذا الحق سوي مرة واحدة فقط في حدود ستة ملايين جنيه والدم السوري الذي أريق في السنوات ٥٦و٦٧و٧٣ لا يقدر بثمن. بالنسبة لحلف بغداد: لم ننفق شيئاً بالنسبة لليمن الإنفاق من سبتمبر ١٩٦٢ حتي ١٩٦٧ حوالي ٥٠٠ مليون جنيه هذا ينفي مايكال الي الستينات وما أتت به من اشتراكية وما قادت إليه كدستور من اتهامات وهي تظهر أن الكفاءة الاقتصادية وتوفير أسس المنافسة والتوجه نحو التصدير ليست بالاكتشافات الحديثة علي نحو ما يصوره أصحاب ما يسمي بالنداء الجديد فالشعار المرفوع كان: »الكفاية والعدل»‬ حيث تسبق الكفاية. والكفاية تؤخذ أحيانا بمعني الكم حتي يتم إنتاج ما يكفي وتؤخذ أيضا في الوقت نفسه بمعني الكيف، أي كفاءة الأداء وهو ما أعطي للكفاية الإنتاجية موقعا متميزا وطالما أنه قد ثبت عدم القدرة علي الاعتماد علي رأس المال الأجنبي في شكل قروض أو مشاركات فإن المصدر الرئيسي لتوفير العملات الأجنبية كان هو الصادرات المصرية بدءا بقناة السويس كما أن المصدر الأساسي للمعرفة الفنية هو القدرات الذاتية والتعامل المتكافئ مع العالم الخارجي وهي المهمة التي تولاها القطاع العام وكان عليه أن يثبت جدارته فيها.
إذا كان هذا هو تفكير عبد الناصر في أعقاب صدور القوانين الاشتراكية (١٩٦١، ١٩٦٤) وإقرار ميثاق العمل الوطني في مايو ١٩٦٢ فإن هذا يشير الي أنه عندما قامت الدولة بتأميم القطاع الخاص وأصبحت مسئولة عن إدارته اتضح مدي ضعف ذلك القطاع وعجزه عن التنافس العالمي إذ نشأ في ظل حماية جمركية مرتفعة معتمدا علي السوق المحلية في المقام الأول علي الجانب الآخر فإن ما اتسم به الجهاز الإداري من تعقيدات وميل إلي الفساد في العهود السابقة علي الثورة جعل عملية النهوض بهذا الجهاز ضرورة حتمية لذلك نجد أنه بينما كانت القيادة السياسية حريصة خلال الستينات علي الالتزام بقواعد الإدارة الاقتصادية السليمة فإن جمود الجهاز الإداري وميله الي توسيع سلطاته والدخول في تفاصيل تعرقل حركة قطاع الأعمال حالت دون ترجمة الفكر السياسي الي واقع عملي وقد طالب خطاب رئيس الوزراء الي مؤتمر الإدارة بتغيير المفاهيم الاجتماعية وهز الجهاز الحكومي والعمل علي تجنب تخلف خطة الإصلاح الإداري عن خطة الإصلاح الاقتصادي والكفاية الإنتاجية حرصا علي إنجاح التنمية الاقتصادية فإذا كان هذا هو واقع الجهاز الإداري في ظل قيادة سياسية حكيمة فإن التساؤل يثور حول مغزي تسلط هذا الجهاز علي هيكل الإنتاج من خلال ما يسمي مسئولية الحكومة عن تسيير القطاع العام. واقع الأمر أن ملكية الشعب لهذا القطاع لا تعني أنه يتحول تلقائيا الي ملكية الحكومة كجهاز إداري غير منتخب من الشعب حتي ولو كانت القيادة السياسية ذاتها ممثلة للشعب فأمام هذه القيادة كل من الجهاز الإداري والقطاع العام مسئولان عن تحقيق الخطة التي تتم بموافقة الشعب والتي تقوم الأجهزة الشعبية برقابتها ومتابعة تنفيذها ولا يجوز تتبيع أجهزة القطاع من مؤسسات وشركات للجهاز الإداري بدعوي أن الأخير هو النائب عن الشعب في الملكية ولقد اتضحت خطورة هذا الافتراض عندما تولت الأمور حكومات منبتة الصلة بالشعب فاعتبرت القطاع العام ملكا لها تتصرف فيه كيف شاءت وأدي تسلط الجهاز الإداري علي الإدارة من ناحية وعلي الملكية بواسطة موظفين كل همهم الحصول علي مكافآت حضور الجمعيات العمومية من جهة أخري علي استلاب قدرة القطاع العام علي اتخاذ القرارات السليمة ومن ثم اتهامه بأنه فاسد بطبيعته وأنه عاجز عن تحقيق المبرر الأساسي لإقامته وهو التنمية ولم يكن إيقاف العمل بالخطة الخمسية الثانية يعني إنهاء الأخذ بمنهج التخطيط فقد ظل التخطيط السنوي مستمرا معتمدا علي إطار خطة السنوات العشر حيث جاءت مقدمة الخطة الخمسية الأولي ثم جاءت النكسة سنة ٦٧ فغيرت الأوضاع الداخلية والخارجية وفي بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ قال جمال عبد الناصر: قبل الآن لم يكن في مقدورنا أن ننظر الي أبعد من مواقع أقدامنا فقد كنا بعد النكسة مباشرة علي حافة جرف معرض للانهيار في أي وقت ولم يكن من الممكن في تلك الظروف وضع خطط طويلة الأجل وكان من الضروري حشد قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة أي وراء واجب المعركة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف