محمد صابرين
«تذكرة وحيدة» إلى المستقبل: تحالف مصر والسعودية!
بدلا من «انتظار الحظ» لكى يعمل لصالحنا علينا أن نعمل بقوة لكى نحصل على حظنا، ومن الغريب بل ومن الجنون ما نشهده حاليا فى المنطقة العربية، فبدلا من تعلم الدرس الذى أوردنا «التهلكة» مازلنا نعيد »مزايدات الحرب الباردة ـ المصرية السعودية«، وبقية «الحروب العبثية» التى جرى خوضها باسم «الصمود والتصدى» و«معسكر الاعتدال»، وحروب حزب البعث، وحروب القذافى، والآن الحروب المذهبية «سُنة وشيعة».
والسؤال: إلى أين أخذتنا هذه الحروب؟ ما هى الحصيلة؟، لا شىء سوى «الخراب والفوضى»، ومزيد من التبعية، ومزيد من دهشة الغرب والشرق بشأن «عبثية هذه النخبة المراهقة»، بل المحزن أننا وصلنا إلى «عدمية المزاج العام» الذى بات البعض يثير خواطره الغاضبة، ولقد غلب الشعور بالرغبة فى الثأر، عوضا عن محاولة السيطرة على الغضب، والاحتكام إلى العقل، وأحسب أن الدرس الأهم هنا هو أن تتواضع النخبة الإعلامية والسياسية قليلا، وتلتزم بالمنطق البسيط الذى يقول «عندما تكون الأمور جيدة فإن على المرء ألا يطير، وحينما تكون الأمور سيئة لا يجب أن نستسلم»؟!، وهنا فإن الطرق كلها تقود إلى «تذكرة وحيدة إلى المستقبل: تحالف مصر والسعودية»؟!، وأخشى أن أقول إن السعودية عليها أن تدرك أن الوقت قد حان لوقفة مع الصديق الأمريكى، بلا شك وبدون خجل وبعيدا عن أى تحفظات «لا بديل لمصر عن السعودية» للخروج من الفوضى العبثية فى المنطقة، والآن ليس وقت العتاب ولا أى شىء سوى التكاتف، المهم هو المستقبل.. وأحسب أن نقطة البداية تكشف عنها الوثائق المسربة من ويكليكس لهيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ففى حفل عشاء أمام الصندوق اليهودى الموحد بتاريخ 28/10/2013 تقول «إن السعوديين والإماراتيين يرون الإخوان تهديدا لهم، وذلك أمر مثير للسخرية، نظرا لأن السعوديين صدروا الأيدولوجية الأكثر تطرفا من أى مكان آخر فى العالم على مدى السنوات الثلاثين الماضية». إذن هذه «حقيقة المشاعر الودية» للمرشحة الأبرز لرئاسة الولايات المتحدة، وهذه للأسف تأتى متزامنة مع »حالة عداء متصاعدة« للمسلمين بل والدين نفسه!. وآخر ما يثير الانزعاج هو إعلان الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند «لدينا مشكلة مع الإسلام»، والذى أثار ولايزال تثير الجدل، وصرح أولاند فى كتاب بعنوان «الرئيس لا يتحدث هكذا» لاثنين من الصحفيين بجريدة لوموند، بأن هناك مشكلة مع الإسلام، هذا صحيح، لا أحد يشكك فى هذا، الإسلام الذى يطرح مشكلة.. بمعنى أنه قد يعتبر دينا خطرا بحد ذاته، ما يمكن أن يطرح مشكلة هو إذا لم يستنكر المسلمون أعمال التطرف، وإذا تصرف أئمة المساجد بطريقة معادية.. إذن ماذا يعنى ذلك؟، الإجابة بسيطة: هناك مشكلة مع المسلمين بل والدين نفسه، وأئمة المساجد، والنقطة الثانية هى «كيف يفكر العم سام؟».. وهنا من الأحسن أن نترك هيلارى كلينتون تجيب، وذلك من خلال وثيقة أخرى مسربة لها بتاريخ 18/4/2013 فى كلمة أمام ستانلى مورجان، وتشرح هيلارى بوضوح «الديمقراطية تعطينا مزيدا من الشركاء وخصوما أقل، ولكن دعونا نكون أمناء هنا، لقد كان مبارك حليفا للولايات المتحدة لسنوات عديدة، ونحن لدينا مصالح عديدة فى المنطقة إلى جانب الديمقراطية تتضمن: حربنا ضد الإرهاب، والدفاع عن حلفائنا وخاصة إسرائيل، وضمان تدفق آمن للنفط».
وتضيف هيلارى ولكن!، وتقول «هناك أوقات تواجه الحكومات، مثلما فى دنيا المال والأعمال، عندما لا تكون جميع المصالح متناغمة، ونحن الآن نعمل على أن تتناغم هذه المصالح.. ولكن هذا هو الواقع»!.. وأعتقد أن الإجابة واضحة، فهى تكلمت عن الشركاء، وأسهبت فى التأكيد على المصالح، وعندما اقتضت المصالح أن يرحل أو يتم التخلى عن مبارك، فقد ترك وحده، ولانزال نتذكر كلمة أوباما «الآن.. يعنى الآن»!، إلا أن الأمر الثانى هو حديثها عن أن الديمقراطية تمنح بلادها «شركاء أكثر»، وهذا يعنى أنها لا تهتم إلا «بشراكات محكومة بالمصالح»،ـ ـ والنقطة الثالثة تتعلق بكيف ترى هيلارى مصر؟!، «إن مصر مهمة للغاية بالنسبة للمنطقة ولنا ولإسرائيل ولكن طرف آخر، ومن هنا «عدم فعل أى شىء» ليس خيارا لنا، ولقد تعرضنا للضغط حتى نقوم بأفعال تقوض العلاقة التى بنيناها على مدى سنوات منذ اتفاقيات كامب ديفيد، لا أحد يحبنا الآن فى مصر»، وهذه ضمن وثيقة ويكليكس المسربة يوم 28/10/2013، وذلك خلال كلمة كلينتون أمام الصندوق اليهودى الموحد، وهذا معناه أن مصر «استراتيجية» للولايات المتحدة. والنقطة الرابعة تتعلق برؤية المنصف المرزوقى رئيس تونس السابق، والذى يرى مثل تياره فى العالم العربى «الآن نحن فى مرحلة انهيار النظام السياسى والاقتصادى، فى مرحلة الخراب والسقوط، وانهيار النظام العربى ومنها الجامعة العربية، إنه مثل زلزال يهدم حيا بأكمله»، ويضيف المرزوقى فى حواره مع وكالة الأناضول «سندخل مرحلة عدم استقرار قد تدوم 10 أو 20 سنة، ثم على أساسها سيبنى نظام سياسى عربى جديد»!.. هذه أفكار جماعة الاشتراكيين التى لا تختلف كثيرا عن »الفوضى الخلاقة« لكوندليزا رايس، وهؤلاء المغامرين ـ ولا أقول المزيد ـ الذين يرغبون فى نسف كل شىء، والذين يراهنون على «الحظ المجهول»؟!.
ويبقى أن السؤال الآن يتعلق بمستقبل العالم العربى، وهنا فإن المعلوم بصورة مؤكدة أن هناك مخططات التقسيم المعروفة و»سيناريو الفوضى الخلاقة»، و»الشرق الأوسط الجديد«، و»الشرق الأوسط الموسع»، وهناك أيضا «الحرب غير المقدسة» التى يراد اشعالها بقوة بين السُنة والشيعة، إلا أن ما يهمنا هنا هو أن يتغلب «العقلاء» والحكماء فى القاهرة والرياض على «هواة المزايدة»، وأولئك الذين لا يملكون سوى «الصراخ باسم الوطنية الزاعقة»، و«معارك القيادة الموهومة»، وأحسب أن القاهرة والرياض ليس أمامهما سوى «الإبحار بسفينة العالم العربى» إلى بر الأمان، وتقديم نموذج عصرى لعلاقات راسخة.. ومرة أخرى لابد من «التحالف العربى» من خلال «مجموعة الثمانى العربية» ـ مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان والأردن والمغرب ـ وهنا لابد من إطار عمل وتعاقدات، وربما «معاهدة تحالف عسكرى» بين هذه الدول، ولكن بوضوح ما هى الالتزامات والأعباء.
وفى ذات الوقت «آلية سياسية واقتصادية» تبدأ «بحل عربى لأزمة اليمن» من أهل هذه المجموعة، وأن تعلن هذه الدول أنها لديها »خطة طموحه» لإعادة إعمار اليمن، واستعادته إلى «الحضن العربى»، وربما سيكون مفيدا لو أعلن مجلس التعاون الخليجى عن «خطوات محددة» لضم اليمن للمجلس بعد استقرار أوضاع اليمن.. وأخيرا، لابد من مشروع مارشال عربى لإعادة انطلاق وترسيم النظام العربى، وألا نترك الأمور للفوضى، أو للآخرين.. الطريق واضح والتذكرة وحيدة وربما تكون أخيرة لدخول المستقبل.. التحالف لا التنابذ هو ما سينفع الناس؟!.