عبد الجليل الشرنوبى
الجيش والشرطة والشعب فى مواجهة الإرهاب «رجائى» الشهيد بين الحق الأكيد والتنظيم «البليد»
تتسابق إلى عالم الخلود أرواح حملت الوطن إيماناً وهماً وعَلَماً، كتب الله لها النجاة من واقعنا الذي تحدق به الفتن من كل صوب، وحتى كتابة هذه السطور كان آخر من زفته مصر إلى عرس الشهادة، العميد أركان حرب عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة مدرعات. وبحسب زوجة الشهيد الصحفية سامية زين العابدين فإن العميد الشهيد، حين خلع زي العسكرية المصرية وارتدى ملابس الإحرام في عمرة أداها عام 2004، رفع أكف الضراعة إلى الله داعياً (اللهم اقبضني إليك شهيداً)، وحين سألته الزوجة عن سر الدعوة في توقيت استقرار نسبي للوضع المصري أجاب (ما حدش بيدخل الجيش المصري إلا لما يطلب الشهادة)، وكان للدعوة صدى وللموعد توقيت رباني محدد، استلزم قرابة إثني عشر عاماً لتتحقق، حيث كان استيقاظه صباح السبت 22 أكتوبر 2016م، ليتوضأ ويصلي الفجر ثم يودع زوجه للمرة الأخيرة مردداً شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) لينال بعدها بلحظات شهادة الخلود في دنيا الفداء وفي براح الشهداء حيث الأرواح تغدو عند عرش الرحمن. ليس هذا الاستهلال مجرد بكائية في رثاء شهيد جديد تقدمه مصر ليبقى الوطن عزيزاً بعز أهله، أو لتبقى رايته مرفوعة الهامة بسواعد جنده، و إنما هو نداء عقيدة يختلط فيها ما هو مقدس ديني مع ماهو مقدس وطني ليصير للوطن معنى وللتضحية عنوان ولرباط الجند في ساحات الوطن مُوَلِّدْ. ودونما جلد للذات الجميعة، وإنما بمواجهة حقيقية مع الوطن ومكوناته (رئاسة – إدارة – مواطنون)، فإن تطور الحوادث الإرهابية الأخيرة، تسير بنا مباشرة إلى وجوب تعميم المسئولية فيما آل إليه هذا التصاعد، لنقول بضمير مستريح (مصر كلها مدانة في الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق و الأزمات التي تتصاعد)، حيث إن إيقاع المواجهة الحقيقية للإرهاب خلال الفترة التي تلت 30 يونيه 2013 بات يسير من خفوت إلى خفوت رغم كل ما يقوم به النظام من جهود، ومرجع ذلك إلى ضعف العقيدة الوطنية المؤَهِلَه لوعي كل جندي على ثغور الوطن، وغياب الرؤية الواضحة لمكامن الخطر، وعدم وجود تحديد دقيق لطبيعة العدو الذي تتم مواجهته، هذه الدعائم الثلاث (العقيدة – الرؤية – الإلمام بالعدو)، أفرز غيابها خللاً أصيلاً في عملية المواجهة، رغم ميلاد تفويض شعبي جمعي للإدارة بمواجهة الإرهاب منذ 26 يوليو 2013 !. وسعياً لتحديد ملامح المشهد الحالي، لابد أن ننطلق من محددات رئيسية له، أولها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية من قلب عاصمة الكيان الصهيوني قبل أكثر من عقد من الزمان والذي يستخدم تنظيمات الدين السياسي معولاً رئيسا في هدم وإعادة بناء منطقتنا العربية، وثانيها استهداف صناعة الإرباك - على كافة مستويات الوطن- من قبل تنظيم الإخوان بهدف إنهاك أدواته ومن ثم إسقاطه، وأخيراً تعميم التشتيت (سياسياً وإعلامياً وإدارياً).
في ظل هكذا محددات يغدو درباً من العبث طرح تساؤلات من عينه (من المسئول عن تنفيذ العملية – ماعلاقة لواء الثورة بتنظيم الإخوان- هل لواء الثورة يتبع فريق محمود عزت أم فريق محمد كمال)، وللأسف هكذا تساؤلات باتت هي عناوين المعالجة الإعلامية لمشهد اغتيال الشهيد (رجائي)، ومنبع العبث في مجرد طرح هكذا تساؤل يعود إلى أكثر من أربع سنوات حين وزع التنظيم الإخواني تكليفاً على أعضاءه قبيل أحداث الاتحادية (2012) يطالبهم فيه بالنفير لحماية (الرئيس المسلم). حينها كان يجب على الجميع أن يتنبه ليستوعب حقيقة العدو الذي تواجهه مصر، فهو تنظيم يستأثر بالدين في مواجهة كل معارضيه.
وبعيداً عن اعترافات المتهمين في قضايا عدة على رأسها اغتيال النائب العام الشهيد (هشام بركات)، فإن بياناً فاصلاً صدر في ٢٧ مايو 2015م حمل اسم «نداء الكنانة»، وحشد له التنظيم كل علماء الدين الذين يرتبطون بعلاقات تنظيمة مباشرة أو غير مباشرة عبر كافة الكيانات الإسلامية التي أنشأها خلال العقود السابقة (مجلس الإفتاء الأوروبي – الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – إتحاد علماء أهل السنة والجماعة –هيئة علماء الثورة).
على مستوى العالم بدعم حركة التنظيم في مصر (سياسيا – مالياً – أمنياً – إيواء -تدريب ..إلخ) لإسقاط الدولة المصرية . وبالطبع يقع ضمن دائرة التكليف أنظمة دولية توالي التنظيم. وبالتأكيد فإن المقاومة المسلحة جزء رئيس في مقاومة التنظيم للوطن المصري. كان على الوطن المصري عندما يستيقظ على هكذا فتوى عالمية، أن يستوعب أنه في مواجهة حرباً حقيقية والعدو فيها كامن في كل دروب الوطن، وبالتالي فإن إعمال حالة الولاء الوطني العام تستوجب الترجمة إلى عقيدة نضال وجهاد وطني حقيقي تتضافر فيه طاقات الرئاسة مع الإدارة مع قوى المجتمع بكافة أطيافها وتوجهاتها، لأن الجميع مستهدف وعلى رأس الاستهداف مكونات حددتها غرفة عمليات رابعة قبل الفض تبدأ بالذراع القوي (الجيش – الشرطة) وتمر بميزان العدالة (القضاء) ولا تستثني مؤسسات الدين (الأزهر – الكنيسة)، وبينهم الشعب بكل مكوناته –وإن لم يبدي معارضة للتنظيم-باعتباره مشارك بصمته في إسقاط حكم التنظيم. يا سادة إن الأذرع التنظيمية من نوعية (لواء الثورة – حسم – كتائب الشرعية – أحرار- بلاك بلوك الشرعية- العقاب الثوري – كتائب حلوان) جميعها صادرة عن بدن واحد هو (تنظيم الإخوان)، وكلها تربت على شعار واحد (الجهاد سبيلنا)، وأعضاءها تلقوا التأهيل اللازم داخل مصر أو في السودان وسوريا وتركيا لأداء مهامهم التنظيمية تحت إشراف ورعاية التنظيم الدولي، الذي لافرق عنده بين إدارة محمود عزت أو محمد كمال أو أي اسم آخر فالجميع شعارهم سيفان وإن تقاطعا لكنهما يظلان مشهران نحو خصوم التنظيم سواء أكانوا حكاماً أو محكومين. لم يُؤْتَى الشهيد رجائي من فراغ، بل كان واحداً من قوائم المستهدفين منذ 30 يونيه 2013م، والتنظيم الإخواني يملك من المعلومات والبيانات وآلات الرصد البشرية ما يؤهله ليطلق رصاصاته متى حانت الفرصة، وبالتأكيد تملك الأجهزة الأمنية نماذج ووثائق وخطط حول عمليات مشابهة تم إجهاضها، ولكن مواجهة التنظيم المتغلغل شعبياً خلال قرابة التسع عقود، لا يتم عبر ذراع أمنية وفقط. وأخيراً .. أستشهد العميد رجائي، ولعل فاجعة الحدث وجلال الموقف، يمثل ناقوس الخطر الذي يعمل على إفاقة كل مهتم لأمر هذا الوطن، ليضع استراتيجية مقاومة وطنية فاعلة قادرة على إيضاح الرؤية لكل جندي (إداري –عسكري) تؤهله لإيقاظ عقيدة الزود عن الوطن فلا يؤتى وهو على ثغره، وتمكنه من الجهوزية للردع، وتفرز آلة الوطن الإعلامية حتى لا تنساق وراء تفاصيل تسويق إعلامية بغض النظر عن آثارها المفتتة والمشتتة والمشككة في مسير صمود الوطن.