محمد جبريل
ع البحري .. السلاح العربي .. وإنفاقات التنمية
قد يبدو السؤال عبثاً: ماذا لو ان الأقطار العربية انفقت علي التنمية معظم ما أنفقته علي التسليح؟
عبثية السؤال تبين في النزاعات التي فرضت نفسها علي المنطقة. ودفعت أقطارها العربية إلي وضع التسليح في مقدمة أولوياتها. درءاً لأخطار قائمة ومحتملة. حتي أقطار المغرب العربي - التي تبعد نسبياً عن مناطق التوتر - ضاعفت وارداتها من السلاح.
قبل الحرب العراقية الإيرانية. كان إنفاق أقطار الخليج - عدا العراق - علي التسليح محدوداً بالقياس إلي الأخطار التي فرضت نفسها - بعد ذلك - بقوة منذ الحرب العراقية الإيرانية.
طبيعي ان تتفق الأقطار المجاورة لإسرائيل علي تسليح جيوشها بما يوفر أمنها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي تبدت ملامحه منذ قيام الكيان الصهيوني علي الأرض الفلسطينية. ثم محاولاته لفرض واقع مغاير علي الوطن العربي. وعلي المنطقة بعامة. ذلك ما حرصت عليه مصر منذ نكسة 1967. أدركت قيمة القوة المسلحة في مواجهة أخطار صهيونية قائمة. وذلك ما فعلته سوريا. وان أفلحت المؤامرات - مؤخراً - في جرها الي حرب أهلية دمرتها وشردت مواطنيها. وأفقدتها اقتصادها. وأضعفت قواها العسكرية إلي حد تحول مساحتها الجغرافية إلي ساحات للقوي الكبري والإقليمية.
أما بقية أقطار المنطقة. فقد تضاعفت الإنفاق بتعاظم الخطر في الغزو الصدامي للكويت. وما تلا ذلك من دخول المنطقة دوائر الصراع الإقليمي والدولي. بداية من احتلال إيران الخميني جزر الإمارات الثلاث. وظهور الأحلام التوسيعية الفارسية كقوة إقليمية. وأخيراً ظهور اردوغان علي الساحة بطموحاته الإمبراطورية التوسعية. إلي حد القيام بأدوار مشابهة للدور الذي انفردت به مخابرات دول الغرب علي مدي عقود. من دعم وتمويل المنظمات الإرهابية للقضاء علي اقتصاديات الأقطار العربية. وإضعاف قدرتها العسكرية بحيث تصبح قوة إقليمية ثالثة إلي جانب إيران وإسرائيل. ولا يخلو من دلالة إصرار أردوغان علي ان يكون له دور في استرداد الموصل. رغم الرفض المعلن لشعب العراق!
الأرقام تؤكد ان انفاقات أقطار الخليج علي التسليح. والتي بلغت في عامين فقط "2013 - 2015" حوالي سبعين مليار دولار. وهو ما يدفعنا الي طرح السؤال الذي قد يبدو عبثياً: لو ان هذه الاقطار أنفقت علي تنمية اقتصادها. واقتصاد دول العالم الثالث كما تؤكد أرقام المنظمات العالمية. بدلاً من العيش في خطر الأطماع الدولية والإقليمية. وإرهاب التنظيمات المتأسلمة.. كيف كان اقتصادها يحقق لها مستوي معيشياً تؤهلها له ثرواتها. إلي جانب إسهاماتها المالية في إنعاش اقتصاديات الكثير من دول العالم الثالث؟
أشاهد صور الدمار في مدن العراق وسوريا واليمن وليبيا. ملايين اللاجئين الفارين من الموت في قراهم ومدنهم الي الموت في البحر. أو إلي المهانة الإنسانية في معسكرات التهجير. أستعيد قول توفيق الحكيم إن قري الأقطار العربية كانت ستتحول إلي قري سويسرية لو ان الاستعمار الغربي لم يزرع كياناً عنصرياً دخيلاً في قلبها. اضيف إلي قول الحكيم تصورات قومية لواقع الوطن العربي. بعيداً عن عدوانية الكيان الصهيوني. وأطماع فارس. وأحلام الإمبراطورية العثمانية.
أعرف ان الأقطار العربية تجمعها منظمة سبقت إنشاء منظمة اليورو الأوروبي. وسبقت منظمات آسيوية وإفريقية وأمريكية لاتينية..