الأخبار
فرخندة حسن
البعد الأخلاقي للمنظومة التعليمية
لا خلاف هناك علي أن التعليم هو الوسيلة الأساسية لتحقيق آمال الأمم من أجل حياة أفضل لأجيال الحاضر والمستقبل، ولا تتحقق هذه الآمال تلقائياً بالطبع، إنما تتحقق من خلال منظومة تعليمية تتعدد وتتباين وتتنوع أبعادها ومكوناتها. من أهم مكوِّنات هذه المنظومة وأكثرها فاعلية هو مكوِّن القائمين عليها أي مجموعة القدرات البشرية مختلفة المستويات التي تمتهن مهنة التعليم.
لا يمكن إنكار أن هناك جهوداً بذلت في مصر علي مدي العقود الماضية للنهوض بالتعليم وتطويره لكنه كان تطويراً كمياً إلي حد كبير لم يصاحبه التطوير والارتقاء المأمول لنوعية التعليم من ناحية ولا بتطوير القدرات البشرية القائمة عليه بدءاً من متخذي القرارات وواضعي السياسات والقيادات التربوية سواء كانت فنية أو إدارية، ويأتي المعلم في قلب هذه المنظومة، فهو صاحب التأثير الأكبر في إعداد الأجيال. أدي ذلك ليس فقط إلي ضعف مستوي التعليم بل إلي ما صاحبه من سلوكيات سلبية وممارسات لا تتسق وقيم وأخلاقيات مهنة التعليم أثارت قلقاً وجدلاً مستمراً في المجتمع الذي يؤمن بأن التعليم ليس مجرد مهنة بل هو رسالة أخلاقية تربوية ثقافية. ولعلنا نضرب مثلاً لبعض من هذه الممارسات التي غاب عنها البعد الأخلاقي المكمل والمساند لباقي أبعاد المهنة. ففي الوقت الذي تزايدت فيه معدلات النمو السكاني وزيادة الطموح التعليمي والطلب الاجتماعي علي التعليم، والذي أدي إلي زيادة معدلات أعداد التلاميذ في حجرة الدراسة ــ وهي ظاهرة لم تظهر فجأة في يوم وليلة ــ نجد أنه للأسف لم يتم التصدي لها منذ البداية وتركت لتستفحل وهو ما كان السبب في ظهور بعض سلوكيات ومظاهر أثرت سلباً علي المهنة وعلي دور المعلم المهني بالذات، إذ كان التكدس في حجرة الدراسة سبباً في زيادة العبء التدريسي والإرهاق والإنهاك النفسي مما أفقد المعلم القدرة علي تحقيق التميِّز في الأداء.
وهكذا نري أن عدم التصدي للتكدس من جانب أصحاب القرار وواضعي السياسات هو ما أضر بالمعلم فانخفضت مكانته الاجتماعية مقارنة بمكانته الرفيعة في وقت مضي. يمثّل هذا ظلماً أصاب المعلم فلا هو المسئول عن التكدس ولا هو المسئول عن جهود التصدي لهذه المشكلة .. لم يصب هذا الضرر بنفس القدر المسئولين عن قصور سياسات وخطط المنظومة التعليمية الذي كان السبب الفعلي في اهتزاز صورة المعلم ومكانته في المجتمع وهو ما يشكل بعداً أخلاقياً غاب عند الممارسة .. هذا في الوقت الذي كان يتحتم فيه توفير الرعاية الواجبة للمعلم التي تساعده علي القيام بدوره المهني من تطوير دائم وتحديث مستمر للبرامج التعليمية والمناهج وتطوير الاحتياجات والتجهيزات المدرسية .... إلخ. بالإضافة إلي توفير البرامج التي تهدف إلي تزويد المعلم دائماً بالجديد في التقنيات التعليمية وكلها مهمات ليست موسمية بل المفروض أن تكون بصفة مستمرة لصالح المنظومة التعليمية وهذا يشكِّل عنصراً آخر للبعد الأخلاقي الغائب.
يأتي علي رأس العوامل التي أثرت علي أداء المعلم ضعف الأجور والحوافز وعدم إتاحة ما يمكِّن المعلم من توفير حياة كريمة له ولأسرته ولا ما يعكس قيمة العمل السامي الذي يقوم به وهو ما ينعكس بالسلب علي أداء المعلم وشخصيته ومظهره .. ويشكِّل أيضاً بعداً أخلاقياً يجب أخذه في الاعتبار إذا ما كنا ننشد الارتقاء بالتعليم باعتباره الأساس الذي يبني عليه باقي أبعاد التنمية الشاملة ونمو الأمم ونهضتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف