القلق هو العدو الأول للدول والانظمة السياسية!.. والدول التي تحظي بقدر مناسب من الاستقرار السياسي و الاجتماعي هي التي تنجح في وقاية مواطنيها من القلق .. وهذا يقتضي أن يتم علاج أية أسباب للقلق داخل المجتمع مبكرا حتي لا يتراكم في النفوس.
اقول ذلك منبها لانني ألخط خلال مناقشاتي وكلامي مع مواطنين مصريين من مختلف الانتماءات الفئوية والسنية والاجتماعية بوادر قلق لديهم بدأوا يشعرون به علي مستقبل بلادهم أي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم.. وهذا أمر جد خطير ولا يجب الاستهانة به أو التقليل من شأنه أو إغفاله والسكوت عليه أو تجاهله و إنما يتعين التعامل معه فورا وعلاجه سريعا ومحاصرته في المهد والتخلص منه، وزرع الطمأنينة والثقة في المستقبل داخل نفوس كل المواطنين.
أنا هنا لا أتحدث عن دعوات الخروج إلي الشوارع والميادين في 11/11 التي ظهرت في البداية لقيطة بلا صاحب حتي اعترف الاخوان بتبنيها وأكدوا في بيان لجماعتهم أنهم من اطلقوها وأنهم هم أصحابها، وتشاركهم فيها حركات ومجموعات غير اخوانية منها من يعزف علي ألحان أمريكية ومنها من حبست نفسها في سجن أيدولوجي صارم.. فبعد هذا الاعتراف الاخواني بتبني دعوة ١١/١١ لن تجد هذه الدعوة استجابة شعبية نظرا لان كراهية المصريين للاخوان مازالت كبيرة بعد أن انخرطوا في عنف انتقامي ضد عموم المصريين.
وانما أنا اعني ما حدث ويحدث في بلادنا ويراكم اسباباً للقلق في نفوس عموم الناس علي مستقبل بلادهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي في مقدمة ذلك الطريقة التي يدار بها اقتصادنا القومي والتي يكتنفها غموض غير حميد يثير القلق في نفوس الناس.. لقد استغرق المسئولون عن ادارة اقتصادنا في الحديث عن الصعوبات التي تواجهنا اقتصاديا أو عن الحالة الصعبة لاوضاعنا الاقتصادية، وأسهبوا في شرح هذه الصعوبات محذرين من استحالة استمرار ذلك، دون أن يقرنوا تحذيراتهم هذه ببث الأمل في نفوس المواطنين بأن العلاج الذي يصفونه لاقتصادنا سوف يشفيه من أمراضه ويخلصنا من الازمات الاقتصادية.. أي انهم استغرقوا في الحديث عن الحالة الحرجة لاقتصادنا ولم يكترثوا للحديث عن الأمل في تجاوز وتخطي تلك الحالة الحرجة.
وحتي العلاج الذي يصفونه لامراضنا الاقتصادية لا يتحدثون صراحة عنه وبوضوح، وتحديدا ذلك العلاج الخاص بتعويم أو تخفيض الجنيه، وزيادة اسعار المواد البترولية، وتوقيت تناول هذا العلاج أو بالاصح فرضه علينا وآثارة الجانبية.
وهكذا الاسلوب الذي يتم به إدارة اقتصادنا وعلاج ازماته ومشاكله لا يطمئن عموم الناس، وأنما علي العكس يثير في نفوسهم القلق واذا لم تتراجع الحكومة عن هذا الاسلوب فسوف يزيد القلق علي مستقبل اقتصادنا اكثر وأكثر بين الناس.. أقل ضرر لقلق الناس هنا سيكون عدم فاعلية العلاج، وبالتالي تأخر الخلاص من أزماتنا ومشاكلنا الاقتصادية، ليزيد قلق الناس اكثر وندخل بذلك دائرة لا فكاك منها من القلق المدمر.
واذا كان الاسلوب المغلف بالغموض في إدارة اقتصادنا وعلاج امراضه الاقتصادية يعد سبباً مهما لزرع القلق في نفوس المواطنين فان استمرار بل وتزايد العمليات الارهابية سواء داخل سيناء أو خارجها هو أحد أسباب الاحساس بالقلق علي المستقبل في بلادنا.
فلم يتم تهيئة الشعب إلي أن معركتنا مع الارهاب سوف تطول وقد تستغرق سنوات، وأنها سيكون لنا فيها العديد من الضحايا والكثير من الخسائر ايضا.. لذلك يشعر عموم الناس بالقلق عندما يسقط لنا بشكل شبه يومي جنود وضباط في هذه المعركة،. وهذا امر يتعين أن يجعلنا نسعي فورا لتعبئة شعبية شاملة ضد الارهاب تعبئة لا يكون فيها دور الشعب فقط منح التفويض لقيادة القوات المسلحة لمواجهة هذا الارهاب وانما نشارك فيها جميعا نحن أبناء الشعب الرافضين للارهاب في مواجهة هذا الارهاب والتصدي له، كل بدوره وفي موقعه وبقدراته، وندرك فيها جميعا ان معركتنا ضد الارهاب طويلة وسوف تستغرق وقتا وسيكون لنا فيها ضحايا لان أعداءنا فيها وحوش آدمية انطلقت تقتل وتخرب وتحرق وتدمر.. واذا تمت هذه التعبئة لن تخلف كل عليه ارهابية في نفوسنا قلقاً جديدا وانما إصرار فقط علي اجتثاث هذا الارهاب من جذوره في بلادنا والتخلص من شروره.
بعد ذلك يتبقي سبب آخر للقلق و هو القلق علي حكم البلاد مستقبلا.. وأنا هنا أعني الرئيس القادم لمصر عام ٢٠١٨.. واقول ذلك لانني أعتقد أن اكثر الاسباب التي ا خرجت العدد الاكبر من الناس في الشوارع والميادين في ٢٥ يناير كانت هي القلق علي مستقبل البلاد السياسي في ظل احاديث توريث الحكم، مثلما .. كان القلق علي كيان وهوية دولتنا الوطنية هو السبب الأهم الذي أخرج الناس في الشوارع والميادين في ٣٠ يونيو.
إن الرئيس الامريكي في بداية فترته الرئاسية الاولي يكون معروفا لدي الامريكيين انه سوف يشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. ولذلك يتعين ان يكون ذات الامر واضحا بالنسبة للرئيس المصري بل وحاسما ايضا، خاصة وأن هناك ضغوطا تمارس الآن من الخارج لمنع الرئيس السيسي للترشح لفترة رئاسية ثانية وفي النهاية أقول.. انزعوا اسباب القلق في نفوس المصريين وازرعوا بدلا منها الامل في المستقبل الافضل.