المتابع لأحداث العراق تستوقفه بالضرورة صفات المدن والقري التي تدور فيها المعارك. ثمة مدينة يحتلها إرهابيو داعش تسبقها صفة المسيحية. ومدينة تدخلها القوات العراقية ـ قوات البشمركة غالباً ـ تسبقها صفة الكردية. ومسميات كثيرة لطوائف المجتمع العراقي. ما بين سنة وشيعة ومسيحيين وأكراد وإيزيديين وصابئة وغيرها مما يفترض أنها تصنع مجتمعاً متجانساً.
هذه الظاهرة هي أخطر ما واجهه الشعب العراقي عقب زوال حكم صدام حسين. أفلحت واشنطن وطهران ـ وأنقرة فيما بعد ـ في تأكيدها داخل البنية العراقية. غابت صورة الوطن الواحد. المتماسك. لتحل ـ بدلاً منه ـ صور شائهة لمجتمع التفرقة والانتقام الساذج الذي ينتسب إلي قرون مندثرة.
إذا كانت داعش تشن حربها في العراق وسوريا وغيرهما من أقطار الوطن العربي. فضلا عن اتساع ارهابها بالتسمية نفسها. وهي تنظيم الدولة الإسلامية. باعتبار مدافعتها عن السنة في العالم.. إذا كان ذلك كذلك. فإن التنظيمات المقابلة تدعي الدفاع عن طوائف دينية في الوطن العربي هي جزء مكون لهذا القطر أو ذلك. من الحتم أن تتداخل في نسيجه القومي.
القوات المسلحة المصرية تدافع عن سلامة المصريين وأمنهم. دون انتساب إلي أعراض أو طوائف. انها القوات المسلحة للشعب المصري. ينتمي مقاتلوها إلي كل المصريين. ويدافعون عن الشعب المصري. بلا صفات دينية أو عرقية.
هذا هو حال القوات المسلحة في العالم. المتقدم. إن طرأ عليها تغير تحولت إلي ظاهرة استثنائية شاذة. ظل للعراق جيشه القوي الذي صنفته مراكز الأبحاث الاستراتيجية كرابع قوة مسلحة في العالم. حتي قفزت واشنطن علي الارادة الشعبية. بقرار ضابط المخابرات برايمر الذي حل الجيش العراقي وكان العرب يعتزون بالجيش السوري. حتي أفلحت المؤامرات والتدخلات الدولية والاقليمية في استنزافه واضعافه أثناء حربه ضد قوي المعارضة التي لم تقتصر ـ للأسف ـ علي المعارضة السورية. فقد تحركت المؤامرات بين باريس وواشنطن وطهران وأنقرة وغيرها من العواصم التي شهدت مؤتمرات تزعم السعي لوفاق سوري. في حين أن مخططاتها تحاول اضعاف القوات المسلحة السورية. واضعاف مقدرات الشعب السوري بالتالي. الأمر ينسحب ـ بالطبع ـ علي اليمن وليبيا وأقطار عربية أخري. ليس خافيا انفاقات ايران الهائلة علي فصائل عربية شيعية لتخوض معارك مسلحة بدلا من الجلوس إلي مائدة المفاوضات. دون أن يدرك قادة هذه الفصائل أن الهدف الايراني لا يقتصر علي الانتصار للمذهب الشيعي. بل لنشر النفوذ الفارسي. وجعله قوة أهم في المنطقة. أتاحت فوضي كوندليزا رايس شحوب ارادة الثورة. ونشوء صراعات بين أبناء القطر الواحد علي أسس غير وطنية. تذكيها أنشطة مخابرات دولية واقليمية. تستهدف أمن الوطن العربي واستقراره. يكفي أن تتساءل عن مصادر تمويل حزب الله ـ وقد حسبناه زمناً علي القوة العربية! ـ والحوثيين. بالاضافة إلي تمويل داعش. ومن قبله القاعدة. وإلي جانبه عشرات الفصائل التي تلاشت أهدافها السياسية بعد ان تحول مقاتلوها إلي مرتزقة.
أتجه بالإدانة ـ للمرة الألف ـ إلي جامعة الدول العربية. تستطيع أن تدعو إلي مؤتمرات عاجلة للقمة.. ولرؤساء الوزارات. وللوزراء المختصين. اللقاءات الثنائية. المتباعدة. بين الزعماء لا تغني ـ في المأساة التي يعيشها وطننا العربي ـ عن دراسة الأخطار التي تترصده. وتحاول سلب قدراته وطاقاته.