الأهرام
عماد رحيم
السيدة العجوز .. آن لها أن تستريح
رغم مرورنا بثورتين، غيرتا نظامين، ورغم تطورات كثيرة شهدها العالم، غيرت ملامحه، وبدلت سماته، وتباينت فيه مراكز القوة والضعف بدرجة واضحة،
بفضل وجود أنظمة عمل لينة وميسرة، تساعد على تحقيق طفرات اقتصادية، إلا أننا مازلنا نسير بسرعة السلحفاة التى أصابها العجز البين، بسبب نظام بيروقراطى صارم تم وضعه منذ عشرات السنين بغرض تنظيم العمل بين المواطنين والدولة، وفى تلك الآونة كان عدد سكان مصر فى حدود 20 مليون نسمة، الآن تجاوز عدد سكان القاهرة الكبرى فقط هذا الرقم بكثير. غابة من القوانين والقرارات الادارية صدر أغلبها فى خمسينيات القرن الماضى، تلزم الناس بالتعامل وفق أنظمة ورقية معقدة، دورة مستندية تحتاج لعدة توقيعات من عدد من المسئولين فى جهات مختلفة للحصول على بطاقة تموين، أو لاستخراج رخصة بناء.. إلخ.

إن الجهاز الادارى للدولة مصاب بالتيبس المزمن بدرجة مفزعة، وأصبحنا نوجه اليه كل اللعنات، ونقذفه بسهام النقد الساخر، وبتنا نتعامل مع طريقة أدائه على أنها أحد الموروثات الطبيعية التى توجب علينا التعامل وفق منظومته المملة دون المساس بمحاولة تعديلها، باعتبار ذلك من المحرمات.

وهو ما يفسر لنا كثيرا من الأمور، على رأسها عدم الشعور ببعض الانجازات، مثل الطفرة غير المسبوقة فى مجال الكهرباء التى تحققت فى خلال عام، ففى صيف 2014 كنا نعانى انقطاعا للتيار الكهربائى لزمن قد يصل لعشر ساعات يوميا، ووقتها قال الخبراء إن حل هذه الأزمة يحتاج الى ثلاث سنوات على الأقل حتى نشعر بتحسن ملحوظ، وخمس سنوات للقضاء على انقطاع التيار الكهربائى تماما، لكن شهدنا انجازاً يصل لدرجة الاعجاز حينما تم القضاء على المشكلة نهائياً فى عام واحد، ورغم تحقيق هذا الانجاز الذى يحسب للرئيس السيسى، غير أن هناك بعض الاجراءات البيروقراطية التى تعمل بها وزارة الكهرباء تحرم قطاعا كبيرا من الشعب التمتع بهذا الانجاز، تحدثت عنها فى مقالات سابقة. وفى اطار مشابه، شهدنا تجديد وتطوير شبكة الطرق بشكل مبهر، وبأداء متميز لم تشهده مصر منذ زمن بعيد، وهو انجاز يحسب أيضا للرئيس، الا إن المنظومة الفاشلة للمرور تجعل بعض الناس لا تشعر بهذا الانجاز، بل إن منهم من يبدأ يومه و ينهيه بحالة من الغضب المستحق، فجزء كبير من وقته يقضيه فى الشارع كل يوم بلا طائل.

أضف الى ذلك مشكلات القمامة، فنحن فى القرن الـ 21 مازلنا لا نعرف كيف نجمع القمامة ونراها مكدسة فى الطرقات والحارات والأزقة، والآخرون المتميزون المتقدمون، يديرون منظمومة القمامة بنجاح لافت، حتى البرازيل احدى دول عالمنا نجحت فى ادارة ملف القمامة بامتياز، ونحن نعشق الروتين الذى سبب لنا هذا الفشل، ثم نلعنه.

وهناك الكثير من الأزمات التى تكابدنا يوما وراء يوم، دون كلل أو ملل، وجميعنا يشاهدها، ويتحدث عنها أيضا دون كلل، مطلقين صيحات التحذير من خطورتها، و متفقين على أهمية مواجهتها، وفى الحقيقة، نعالج أعراضها بجهود مضنية دون الغوص فى علاج أسبابها، لتظل الأزمات قائمة، بل قل مستفحلة. ومن ثم لابد للحل أن يكون من الجذور وليس من الرءوس.

وأقترح طريقين للحل، على أن يسيرا بالتوازى، الأول عاجل، من خلال دخول البنوك الوطنية بفكرها الاستثمارى، كشريك أساسى فى المشروعات التنموية بآلية واضحة وشفافة تتيح لها العمل بايجابيتها المعهودة لتحقيق نمو عاجل ملموس.

وللتوضيح، منذ فترة تم اطلاق مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بشروط ميسرة، فهل يمكن توجية جزء من هذا التمويل لعمل شراكة، نستطيع من خلالها تأسيس كيان شرعى يتولى منظومة القمامة من الألف الى الياء شاملة اعادة تدويرها، بما فى ذلك انشاء المصانع الخاصة بها، وهنا نخرج تماما خارج اطار الروتين، كما يمكن أن توفر هذه الآلية الآلاف من فرص العمل، اذا تم وضع التصور السليم لها، وهكذا تتحول مشكلة القمامة من نقمة الى نعمة.

ويمكن عمل تلك الشراكة مع الفلاحين لتربية «المواشى» والدواجن، واعادة الفلاح الى منتج بعد أن تم تحويله الى مستهلك بفعل مافيا «اللحوم المستوردة» وهكذا نحقق اكتفاء ذاتياً من اللحوم فى غضون بضع سنوات، وأيضا يمكن أن تسهم البنوك فى تحويل قش الأرز الى أشياء أخرى مفيدة غير حرقه، ومن ثم القضاء نهائياً على السحابة السوداء.كما يمكن أن تدخل فى مشروعات أخرى كبيرة بنظام الـ bot، مثل النقل النهرى، والنقل الجماعى.

أما الحل الآجل فهو البدء فوراً فى غربلة القوانين المعوقة للعمل وتغييرها، والتفكير فى تحويل موظفى الجهاز الادارى للدولة الى طاقة انتاجية بشكل عملى بدلا من وصمهم بالعمالة الزائدة وتهديدهم المستمر بالاستغناء عنهم، وهو ما يعنى عملهم فى جو من التوتر لا يمكنهم من الانتاج.

أعتقد أنه آن للسيدة العجوز أن تستريح، وبات علينا أن نعطى للجيل الجديد فرصته لتحقيق طموحه وطموح وطنه، مع الاستفادة من طاقاته المهدرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف