على هاشم
هل استحق أوباما نوبل للسلام وهل استوعبنا رسالة الراحل الملك عبدالله؟!
* قبل نحو ثماني سنوات استهل أوباما ولايته الأولي بخطاب ظنه كثير من المتفائلين في عالمنا العربي والإسلامي بشارة أمل تغسل خطايا سنوات الحرب والتدمير المنظم التي خلفها بوش الأب والابن أيضا بدءًا بغزو العراق مرورًا بتصدع النظام العربي وانشطار بعض دوله. وصولاً إلي ربيع عربي انقلب خريفًا داميًا مازلنا نتجرع مرارته وتداعياته الكارثية.
ظن المتفائلون منا أن خطاب أوباما باعث لأمل التغيير والقدرة علي إحداث تحولات كبري عادلة في صالح الحقوق العربية المهضومة ومصدر التفاؤل هو صعود الرئيس الأمريكي ذي الجذور الإفريقية المسلمة والبشرة السمراء إلي سدة الحكم ونسينا أو نسي هؤلاء المتفائلون بسواد البشرة وإفريقية الجذور أن أمريكا دولة كبري لا يحكمها أفراد الرؤساء بحسب ميولهم وثقافتهم وجذورهم وانحيازاتهم بل تهيمن عليها مؤسسات واستراتيجيات يتباري كل رئيس أمريكي لتنفيذها وفق رؤية لا تعارض بينها وبين الأولويات العظمي لأمريكا التي ليس من بينها نصرة الحقوق العربية بل يأتي أمن إسرائيل وتفوقها الاستراتيجي كأولوية قصوي علي أجندة كل رؤساء أمريكا بدءًا من الآباء المؤسسين وصولاً إلي المرشحين المحتملين للرئاسة ترامب وكلينتون .لا يحيدون عنها مثقال ذرة.
أغرق المتفائلون منا في الحلم الأوبامي وأعجبتهم نبرة الأمل الحيوية التي أبداها الرئيس الشاب وقتها . وازدادت جرعة التفاؤل بخطابه التاريخي في جامعة القاهرة ذلك الخطاب الذي دغدغ المشاعر الإسلامية بما أظهره أوباما من احترام للدين الإسلامي وتبرئته من تهمة الإرهاب التي ألصقت به عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر قبل نحو 15 عامًا.
لكن ما حدث في ثماني سنوات هي عمر رئاسة أوباما كان صادمًا لكل من تفاءل أو أفرط في الأمل ظنًا منه أن شيئًا إيجابيًا قد يحدث لأمتنا بيد غيرها أو أن السماء تمطر حلولاً عادلة لقضايا أمة غائبة عن وعيها لاهية عن حقوقها عاجزة عن احداث تغيير جوهري في موازين القوي التي نجحت أمريكا وإسرائيل في حسمها لصالحهما بكل قوة.
ورغم حصول أوباما علي جائزة نوبل للسلام وهي الجائزة التي شكك في استحقاقه لها كثير من المنتقدين لسياساته.. لكن أمل المتفائلين منا لم ينقطع في صاحب نوبل. وظنوا أنه سوف يحقق بعدها إنجازات ملموسة في ملفات النزاع العربي - الإسرائيلي أو الانتشار النووي أو حتي الاحتباس الحراري أوغيرها لكنه للأسف لم يفعل شيئًا من هذا بل الأدهي والأمر أنه سعي لمخطط آخر تمامًا لم يكن واردًا في أذهان كثير من المتفائلين ولا المتشائمين حكامًا ومحكومين مخطط صراع الحضارات والشرق الأوسط الجديد والتوظيف السياسي لتيارات العنف المتأسلم وتدمير الدول العربية وتفجيرها من الداخل بأيدي شرذمة من أبنائها تارة باسم ثورات الربيع العربي . وتارة أخري باسم الصراع المذهبي الطائفي الذي غير خريطة الأعداء وجعل دولاً لم تكن في خندق الخصوم عدوا لدودًا . ودولة صريحة العداوة في خندق الأصدقاء.
نجح أوباما في تخدير مشاعر بعض العرب والمسلمين بكلمات مخادعة في خطاب جامعة القاهرة رغم أنه قال صراحة: إنني أدرك أن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها ولا يمكن لخطاب واحد أن يمحو سنوات من فقدان الثقة. وأدرك أنني - والكلام لأوباما لن أقدم حلولاً جذرية لمسائل معقدة أدت لمثل هذا الحال فأي تغيير كان يقصده أوباما .. أهو تغيير خريطة الشرق الأوسط التي لم تكن سرًا خافيًا يتناقله مسئولون أمريكيون همسًا خلف الكواليس بل ناقشته لجان الكونجرس وتداوله أعضاؤه صراحة دون مواربة أم أنه تغيير أجواء علاقة بدت متوترة بين أمريكا وبعض الدول العربية الإسلامية التي ظنت واشنطن أنها صانعة الإرهاب أو مصدر خطر علي ربيبتها إسرائيل؟!
لقد خدعنا أنفسنا بفهم خاطئ لخطاب أوباما وعلقنا أماني كاذبة في رقبة رئيس أمريكي لمجرد أنه من أصل أفريقي مسلم. وهي الأماني التي حملت في طياتها مبررات التقاعس والنكوص عن الإصلاح الحقيقي لتغيير موازين القوي علي الأرض لصالحنا حتي لا تُفرض علينا حلول وخرائط مثلما يحدث اليوم في سوريا والعراق وليبيا دون خيارات أو بدائل من عندنا.
لقد أخذنا من كلام أوباما في الخطاب إياه ما نحبه لا ما قصده الرجل. ولا ما سعي إلي تحقيقه استكمالًا لمسيرة أسلافه ورؤيتهم لحاضرنا ومستقبلنا وفرطنا في حقوقنا وسيادتنا حتي وجدنا أنفسنا في أتون الصراع والتجاذبات والاستقطابات والحروب والاقتتال الأهلي في ديار العرب بفضل استسلامنا لحروب الجيل الرابع والتعصب للجماعة تارة وللطائفة والعرق والمذهب والمصالح الضيقة علي حساب الأوطان تارة أخري .. فهل من حقنا اليوم بعد كل الذي جري أن نلوم أوباما أو أن نحمله مسئولية ما جري أو نتهمه بالتآمر فنحن تآمرنا علي أنفسنا أكثر منه حين ناصب بعضنا الوطن العداء بمنطق الغنيمة وماذا أعطاني هذا الوطن؟!
لم يكذب أوباما ولم يخلف وعده لإسرائيل بالحفاظ عليها من جيرانها ولم يكن عاجزًا عن وقف عدوانها الذي دمر البشر والحجز في فلسطين لكن لماذا يفعل وأصحاب القضية أنفسهم منقسمون يخوّن بعضهم بعضًا ويشوه بعضهم بعضًا.. لم يخن أوباما عهده للوبي الصهيوني بحماية إسرائيل التي خصص لها قبل مغادرة البيت الأبيض نحو 35 مليار دولار كمساعدات عسكرية في السنوات العشر المقبلة لضمان تفوقها تسليحيًا علي العرب أجمعين.
سياسات رؤساء أمريكا تجاه إسرائيل ثابتة لم ولن تتغير.. الكل يتسابق لخدمتها وتقديم فروض الولاء والطاعة لها كواجب لم يتخلف عنه أحد منذ القدم حتي المرشحين الرئاسيين المحتملين فإذا كان بوش الأب قد حاصر العراق فإن بوش الابن قد احتلها عسكريًا وفي عهد أوباما جري ضرب ليبيا وسوريا واليمن وتمزيق العراق وتقسيم السودان وإحراق المنطقة بنار الإرهاب صنيعة الغرب.. الأمر الذي يؤكد حقيقة واحدة مفادها أن لغة القوة هي ما يفهمه رؤساء أمريكا وقادة إسرائيل والغرب وما لم تضطرهم الظروف لوقف العدوان وإعادة الحقوق لأصحابها فلن يفعلوا ذلك بوازع أخلاقي أو شفقة علي العرب.. أما التعويل علي أوباما لردع إسرائيل أو وقف الصراع في سوريا واليمن وليبيا فذلك عبث وجهل بطبائع الأمور.
لقد جاء قانون جاستا لمعاقبة العرب وكان ينبغي أن يكون جرس إنذار أخير يدفعنا إلي التكامل العربي والتآزر وليس إلي مزيد من الخلاف والتمزق فليس مقبولاً أن تستمر علاقاتنا نحن العرب علي حالها المترهلة رغم ما نعانيه من تشرذم وصراع جعلنا مطمعًا لكل من هب ودب وجعل إسرائيل هي الرابح الأكبر والوحيد مما يجري فماذا ننتظر بعدما ضاعت دول عربية وتبددت مقومات قوتها.. ألم نسأل أنفسنا لماذا لم تصب إسرائيل بقذيفة واحدة رغم أنها في قلب إقليم تجري علي أرضه حروب دولية بأحدث الأسلحة وأشدها فتكًا وتدميرًا .. أليس ما يجري معناه أن المسرح يهيأ لإسرائيل حتي تكون هي اللاعب الوحيد لتحقيق حلم الصهيونية من النيل إلي الفرات.. إلي متي يستخدم بعضنا كأدوات لتنفيذ مخطط الغرب الخبيث بتفتيت دولنا. والزج بها في أتون الصراع الطائفي البغيض . ويمضي بعضنا بإرادته لخدمة هذا المخطط طمعًا في مكاسب زائفة زائلة .. إلي متي يفرض الغرب مشيئته وإرادته فلا تحل مشكلة سوريا إلا بإرادة القوي الكبري ومشاركة بعض الأطراف الإقليمية غير العربية رغم أن أصحاب القضية هم العرب والمتضررون هم العرب وحدهم وقس علي ذلك ما يحدث في العراق والسودان واليمن وغزة وليبيا عجز العرب عن تقرير مصيرهم وصار الجلاد هو الخصم والحكم معًا ولا يبدو ما يجري في سيناء منذ ثورة 30 يونيو هو من تدبير فلول الجماعة الإرهابية وأشياعها بل هي حرب تبذل فيها دول وحكومات وأجهزة مخابرات جل جهدها بالسلاح تارة والتمويل والمعلومات والتوجيه تارة أخري لإبقاء مصر علي مسافة من هموم أمتها. واستنزافها في حرب لا متماثلة توحي بعد الاستقرار وكلمة السر فيما يجري هنا وهناك هو الإسلام السياسي ذلك السلاح الذي اصطنعه الغرب لتركيع دول المنطقة. وضربها بأيدي حفنة من أبنائها جنبًا إلي جنب العملاء والمرتزقة الذين ينفذون أجندة الغرب بلا رادع من ضمير أو أخلاق.
تحضرني هنا كلمات خالدات قالها خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسئولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد فإن كل من صمت علي الإرهاب المتمثل في جماعات أو تنظيمات أو حتي دول وهي الأخطر سيكتوون بنارها عاجلاً أو آجلا والسؤال: هل تظن الدول الصانعة للإرهاب الداعمة لتنظيماته .كداعش وغيره. ناجية من شروره وآثامه.. أليس ما يجري من تفجيرات وعمليات إرهابية في الغرب دليلاً علي أن السحر انقلب علي الساحر وأنه علي الباغي تدور الدوائر وكما تدين تدان؟!
ليتنا نفيق ونعول علي وحدتنا ومقوماتنا حتي تنزاح عنا غمة الإرهاب والعنف. ونتطهر من العملاء والخونة أما أوباما الحاصل علي نوبل للسلام وبصرف النظر عما إذا كان يستحقها أم لا وسواء أكانت منحت لنواياه أم أفعاله التي جعلت الإنسانية معذبة أكثر مما مضي فإن التاريخ وحده سوف يحكم عليه وتبقي حقيقة لا ريب فيها وهي أن قوة الدول ومهابتها ليست منحة بيد أحد وأن احترام العالم لنا لن يأتي إلا إذا وجد منا ما يستحق الاحترام بقوة العلم والاقتصاد والسلاح أيضا؟!