المتعارف عليه أن السلطة يتم تداولها بين الأحزاب التي تفوز بالأغلبية في انتخابات شعبية، فيقوم صاحب الأغلبية بتشكيل الحكومة، سواء منفردا أو بالمشاركة مع بعض الأحزاب الأخرى، وقد تكون الشخصيات المرشحة لحمل حقائب وزارية أو تولى مسئولية بعض الهيئات، بعيدة تماما عن العمل الحزبي، يستعان بها لخبرتها أو لموهبتها أو لتفوقها، بعد أن يستقر صاحب الأغلبية على أسماء الفريق الذي سيعتمد عليه في الإدارة، من داخل الحزب وخارجه، تسلم الأسماء للأجهزة الأمنية لعمل التحريات، فقد يكون بعضهم متورطا في قضايا مخلة بالشرف أو قضايا تمس الأمن الوطني، بعد أن يطمئن صاحب الأغلبية على سيرة وتاريخ الشخصيات يعلن الأسماء.
فى مصر والبلدان العربية يختلف الوضع كثيرا، ويمكن أن تقول: في مصر الوضع على النقيض، حيث تتحكم الأجهزة الأمنية فى إدارة البلاد بشكل عام، وفى اختيار الشخصيات بشكل أساسي، حيث تقوم هذه الأجهزة بفتح حظيرة لتدجين الشخصيات التي سيتم الدفع بهم لإدارة البلاد، تتم عملية التدجين منذ الصغر، تختار بعض الشباب وتعمل على تربيتهم وتدريبهم، عملية الاختيار قد تبدأ منذ مراحل التعليم الثانوية أو الجامعية، وقد تكون مع بدء الحياة العملية، فتفرز الشباب من الجنسين وتعلمهم كيف ينفذ الأوامر والتعليمات، في المقابل تضعه داخل الصندوق الأسود الذي تخرج فيه المؤهل خلال لحظة ما للمشاركة في الإدارة، فيحمل حقيبة وزارية أو يتولى منصبا قياديا في هيئة أو مؤسسة أو شركة أو مصنع أو صحيفة أو قناة، حتى المناصب الصغيرة في الجامعات والمؤسسات والهيئات والشركات، تختار لها الأجهزة رجالها.
لم يكن الرئيس مبارك هو صاحب الفضل في اتباع هذا الأسلوب الأمني في الاختيار والتدجين والتدريب والدفع والحفظ داخل الصندوق الأسود لحين الاستدعاء، بل إن هذا الأسلوب كان متبعا منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، حيث منح عبدالناصر سلطة الإدارة والمتابعة والاختيار والقرار للأجهزة الأمنية، ومات عبدالناصر وبقيت الأجهزة الأمنية وصندوقها الأسود، وظلت الأجهزة فى ممارسة مهامها في إدارة البلاد عبر وسطاء الصندوق الأسود الذين قامت بتدجينهم وتربيتهم منذ سنوات، وفى فترة حكم الرئيس مبارك، خاصة فى السنوات الأخيرة قبل خروج الشعب ضده، ترك الحبل على الغارب للأجهزة الأمنية، فأطلق يدها فى جميع المجالات، وأصبحت هى صاحبة القرار فى جميع الوزارات والهيئات والشركات، والتليفزيون والصحف.
واللافت أن هذه الأجهزة خلال سنوات مبارك الأخيرة كانت تتنافس وتتصارع فيما بينها على السلطة، وكل منها كان يدفع برجاله للسيطرة والاستحواذ، فدفع بالبعض إلى تولى حقائب وزارية، وإلى رئاسة بعض الهيئات، ورئاسة بعض الصحف، حتى الفضائيات الخاصة كانت الأجهزة، وأظنها مازالت، هي التي تختار فريق العمل والضيوف.
على أية حال نحن نأمل ألا تنتهي توصيات مؤتمر الشباب إلى وضع ضوابط مماثلة لموروث تدجين وقولبة الشباب وتحويلهم إلى أدوات، علينا تثقيفهم ولهم الاختيار.