المتهم برئ حتي تثبت إدانته. والأصل في الإنسان البراءة.
... القاضي الجنائي. يستعين في أحكامه بوجدانه. وإحساسه. بعد استعانته بالله سبحانه وتعالي. لا رقيب علي عمله القائم علي الاجتهاد والسعي نحو فهم الوقائع وانزال نصوص القانون وروحه علي الوقائع المطروحة أمامه مستلهماً وجيرانه وخبرته القضائية التي استمدها من العمل ومن المجتمع الذي يعيشه ومن دراساته لينطق في النهاية كلمة العدل والحق بناؤها القطع والجزم واليقين. حيث أن الأحكام الجنائية. لا تبني علي الشك والتخمين.. حين تحمل الأوراق مقدار واحد في الألف من الشكوك أو أقل من ذلك فإنها تصب في مصلحة المتهم. وإن كان القضاء برمته عملاً من أعمال التقرب إلي الله والإخلاص في عبادته لما يبذله القاضي من جهد وصبر في قراءة الأوراق للوصول إلي كشف وجه الحق في النزاع. فإن القاضي الجنائي علي وجه الخصوص أقرب القضاة إلي الله سبحانه وتعالي لما عليه من مسئوليات جسام. وجهد ضخم في قراءة الأوراق. وتكوين عقيدته لينطق في النهاية بكلمة الحق.. ونقول دائماً في أحاديثنا إن الأحكام بيد الله.
لا شك أن القاضي الجنائي يعاني معاناة صعبة وعنيفة في تمحيص الأوراق. واستخلاص وجه الحق فيها مدعماً بأن الشك يفسر لصالح المتهم كما سبق أن قلنا ومن هنا كان سؤال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لماعز حين اعترف أمامه بجريمة الزنا قائلاً له: لعلك قتلت..؟ لعلك ضممت؟ لعلك فاخذت؟.. ملتمساً له سبباَ ببراءة من تهمة أقر بها. رغم أن الجاني جاء طواعية ليقر بما اقترف. إلا أن الرسول راجعه حتي لا يقضي بإدانته في أمر قد يكون به شبهة غير واضحة.
القاضي الجنائي لا يطبق نصوصاً جامدة لا يعمل فيها عقله. وفهمه وصدق من قال أعطني قانوناً ظالماً. وقاضياً عادلاً حتي يمكن أن يتحقق العدل فالقاضي الجنائي ليس عبداً للنصوص.
هناك بعض القوانين حرمت أفعالاً لم تكن محرمة من قبل بل كانت تلك الأفعال مباحة.. فالعقل والمنطق يقول إنها شرعت في ظرف يحتاجها. وهي عرضة للالغاء أو التعديل بعد انتهاء هذا الظرف. ومن ثم ينبغي أن يكون عقل القاضي ووجدانه وضميره وخبرته القضائية والاجتماعية مستوعباً وواعياً لكل ما يدور حوله. ولا ينهج منهج التشدد إلا فيما يستشعر فيه خطورة الأعمال علي أمن المجتمع وسلامته. ولا يطبق علي أمن المجتمع وسلامته. ولا يطبق النص بعيداً عن روحه والقاضي الجنائي يفهم من تحريم أمور كانت مباحة في زمن سابق يفهم أن المطلوب هو حماية المجتمع في الفترة الراهنة وأن المطلوب أيضاً حماية المجتمع من عسف نص يترجح إلغاؤه مستقبلاً. ومن ثم نقرر دائماً:- كان الله في عون القاضي الجنائي.. يحترق احساساً ومشاعر قبل أن ينطق بكلمة الحق. تدفعه الأوراق يميناً. وتدفعه يساراً. ويتنازع وجدانه نوازع مختلفة ولا يستطيع أن يحكم حتي يستقر ضميره. ويرتاح وجدانه ويحيط حكمه بالقطع والجزم واليقين.. كان الله في عون القضاة الذين يحرصون علي تدعيم العدل بأحكامهم التي تكتب دائماً بحروف تخشي الله وترجو عفوه ورضوانه أذكر أنني إذا ما صعدت إلي منصة العدل أدعو الله سبحانه وتعالي سراً أن يُبَصّرني بالحق. ويلزمني به.