من القضايا التي أثارها الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في المؤتمر العالمي الذي اقامته دار الافتاء المصرية حول تأهيل الأئمة علي الافتاء والذي عقد يوم الاثنين قبل الماضي ما وصفه بالفقه العبثي او الافتاء العبثي الذي انتصر علي الفقه الحقيقي ليس لانه صواب وانما بسبب كتائب المفتين الذين ينشرونه بحماس حيث يتحركون بين الجماهير ويصلون الي البيوت والقري والنجوع والمنابر ويتحدثون الي الناس في كل ما يريدون في مقابل مجامع الافتاء التي تتوقف جهودها علي ما بين المستفتي والمفتي في المسألة المعينة وتتصور انها قامت بواجبها.
لذا وصف الامام فتاوي دور الافتاء والمجامع الفقهية بانها فتاوي راكدة حبيسة المجلدات ولاتجد من ينقلها او يتحمس لها واعتقد ان ما قاله الامام هو مربط الفرس كما يقولون فيما يتعلق بكثير من القضايا.
فاذا اردنا ان نفسر ما اسماه الامام بالفتاوي العبثية لانها تلك الفتاوي التي لا تقوم علي علم واضح اي علم ممنهج يستطيع ان يقف صاحبه علي ارضية صلبة ويقدم فكرا مستقيما بحيث يعرف قواعد الفتوي معرفة صحيحة فاذا ما نقل عن الآخرين نقل بتصرف واع يراعي ظروف من ينقل اليهم زمانيا ومكانيا واضعا في اعتباره مقاصد الشرع فيما يقول وهو تحقيق المصلحة الا ان بعض الناس بمجرد ان يقرأ شيئا من الفقه بعيدا عن المنهجية منح نفسه حق الافتاء فلما وجد اقبالا تمادي واستمرأ الامر.
وبعضهم يبحث عن التشدد متصورا ان الدين تضييق علي الناس وليس تيسيرا فاذا ما وجد تيسيرا تصور انه تفريط وكأن اولئك الذين استهانوا بعبادة النبي حين سألوا عنها أمهات المؤمنين او كما جاء في نص حديث رسول الله تقالوها لاينتهون من أي زمان ومكان ففي كل زمان تجد من تصور لجهله بحقيقة الدين ان الدين في التشدد والتضييق لذا فإن أولئك يبحثون في بطون الكتب عن آراء كانت لزمانها تصلح وهو ما اشار اليه الامام في قوله ذلك الفقه الذي يطرق اسماع الناس ليلا ونهارا ويطاردهم حيثما كانوا ليردهم لا ليسر في الشريعة ورحمة في القرآن والسنة وإنما إلي أخلاط من الآراء المتشددة التي قيلت في مناسبات خاصة وتحت ظروف طارئة ليس من بينها وبين الناس الآن صلة أو نسب.
والمتأمل في الفقه العبثي هذا وأصحابه يستطيع ان يرصد عدة أمور أولها ايمان اصحابه به وتحمسهم له والتفاني في نشره حتي لو كان وراء هؤلاء من يدعمهم وييسر لهم ويمدهم بالمال بمعرفة منهم أو بجهل وهم يتصورون أنهم اصحاب النجاحات والنجومية التي يحققونها وليس داعميهم أصحاب المصلحة.
النقطة الثانية: ان هؤلاء العبثيين يتواجدون حيث يختفي أصحاب العلم فإذا وجدوا لم يكونوا علي نفس ايمان وحماس العبثيين لرسالتهم ولا يؤمنون به فلا يسعون علي نشر ما يعرفون وهو الصحيح ولا تتمعر وجوههم وهم يرون الجهل ينتشر والعبث الفقهي يتمدد.
النقطة الثالثة: هو ان العبثيين وصلوا في حالات كثيرة إلي عقر دار العلم في كثير من المساجد والمعاهد الازهرية. وقد كتبت مقالا منذ فترة بعنوان: "ما رأي الأزهر والأوقاف" أحذر من هذه الظاهرة التي تصل إلي أماكن خطرة.
رابعا: ماذا لو قام علماؤنا بدورهم نحو هؤلاء العبثيين ودخلوا معهم في حوار صابر وهادئ وقادر علي النقاش أما كنا وفرنا الكثير من الجهد بل كنا كسبنا كثيرا من هؤلاء العبثيين المتحمسين إلي صفوف المنهج السليم بوضعنا اقدامهم علي طريقه وافدنا بحماسهم.