الأهرام
عائشة عبد الغفار
ميركل الضمير الإنسانى والقرار التاريخى
فى إطار اهتمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الحادية والسبعين بقضية الهجرة غير الشرعية ومشاكل اللاجئين ومطالبة الرئيس السيسى بإعادة تأهيل راغبى الهجرة فلا بد أن نذكر الدور الرائد للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل التى فتحت العام الماضى أبواب ألمانيا أمام اللاجئين بقرار تاريخى غير مسبوق عندما سألتها اللاجئة الفلسطينية ريم وهى منفجرة فى البكاء وبلغة المانية بليغة إذا كانت أسرتها المهددة بالطرد تستطيع أن تبقى بألمانيا وأجابت انجيلا.. ان السياسة أحيانا قاسية، وتستطيعون جميعا أن تأتوا إلينا ولم نطردكم! لقد طاف هذا الحديث العالم مباشرة وحددت ميركيل بطريقة عفوية سياستها الخاصة بالهجرة تحت تأثير ونبض عاطفى وانسانى عال! شهران بعدها وصل أنس الشاب السورى إلى برلين مثل مئات الآلاف من المهاجرين ليلتقى بالمستشارة بمحض المصادفة بمركز استقبال فيندفع حراسها لابعاده، فترفض بابتسامة مطمئنة ليقول لها العرب يعشقون ماما ميركيل! وأنا أدعو الله أن تبقى فى السلطة! فتطوف صورته أيضا الكرة الأرضية، فليس بغريب أن تختارها مجلة »تايم« اسابيع قبلها لتكون شخصية العام وتطلق عليها مستشارة العالم الحر! وما بين حادثى «ريم» و«أنس» اتخذت قرارا غير وجه ألمانيا وأوروبا ومصيرها نفسه فى ليلة 4 سبتمبر من العام الماضي.. وتصور المراقبون ان السياسية المخضرمة تصرفت تحت اثر عاطفة جارفة أو طيبة متناهية برغم مهارتها فى تحييد منافسيها لتنتزع السلطة. وبرغم مظهرها الصارم.

فعندما حصر المعارضون من أقصى اليمين «النيونازي» مركز استقبال خلال خروجها منه تعرضت للاهانات والسب واللعن وتأثرت تأثرا بالغا وتحققت ان المناخ العام معبأ بالسموم والكراهية ما بين المظاهرات المضادة للهجرة وانفجار الأفعال المعادية للأجانب والعرب خصيصا.. وانما أعلنت سوف نتوصل إلى حل! وقررت فى سبتمبر من العام الماضى فتح أبواب ألمانيا أمام المهاجرين فى ضوء إغلاق فيكتور اوربان الرئيس المجرى حدوده مع صربيا وانتشار الخبر وادرك المهاجرون ان دخول اوروبا لابد ان يتم على الفور..

وفى 8 يوليو رصد البوليس الفيدرالى الألمانى دخول الف مهاجر غير شرعى فى يوم واحد! وليعلن بعد ذلك وزير الداخلية الألمانى إنه يترقب طلبات لجوء 800 ألف مهاجر فى العام وليعلن المكتب الفيدرالى للهجرة عن إجراءات تعليق اتفاقية «دبلن» وانتشرت هذه الرسالة فى دول البلقان قبل أن تضطلع عليها السلطات الفيدرالية وتدفق كل المهاجرين الى المانيا معلنين انهم سوريون فاستقال مدير المكتب الفيدرالى للهجرة، وفى هذا المناخ المتوتر قالت ميركيل لمواطنيها سوف نفعل ذلك وفسر المهاجرون. إن الدعوة قد وجهت اليهم! وعندما وصلت «كولونيا» علمت من الاعلام أن ألفين من المهاجرين محاصرون ببودابست من قبل الرئيس أوربان وإنهم متجهون سيرا على الأقدام نحو الحدود النمساوية إن هذه الأحداث أعادت إلى أذهان الالمان الآثار المدمرة والصدمات النفسية التى تركتها وراءها الحرب العالمية الثانية.. ولكن لم تغير ميركيل الصارمة من برنامجها إلا أن اتصل بها المستشار النمساوى «ويرنير فايمان» ليستغيث بها، هل يجب وقف مسيرة اللاجئين أم تركهم ليتوجهوا إلى ألمانيا؟ هل يتم إغلاق الحدود؟

فقبل منتصف الليل اتخذت القرار ودخلت فى التاريخ وتم تعبئة القطارات والشاحنات والاوتوبيسات للسماح للمهاجرين بالتوجه إلى ميونيخ.. ليصل خلال يومين 20 الف مهاجر من المحطة المركزية للعاصمة البافارية لتستقبلهم اللافتات والتهليلات «مرحبا باللاجئين». وهنا تدرك ميركيل أنها تستطيع أن تراهن على الرأى العام المناصر بالاغلبية للاجئين لتوازن غضب المتشددين فى حزبها وهى على يقين ان المانيا تستطيع قبول ذلك بفضل نموها الاقتصادى الصلب وإنخفاضها الديموغرافى وفرص العمل المتاحة واحتياجها إلى الأيدى العاملة.. لقد اتخذت ميركيل بحذر وبراجماتية قرارا انسانيا خطيرا.. فألمانيا تتمتع بحق اللجوء لم تفتح ابواب المانيا وإنما قررت ألا توقف مسيرة اللاجئين..

وعندما اندفع عشرات الآلاف من المهاجرين نحو المانيا فشلت السلطات فى تسجيل جميع المهاجرين واكتظت مراكز الاستقبال وشعر الجميع بأنهم لن ينجحوا فى السيطرة على الموقف وتعرضت ميركيل لانتقادات من منافسها السياسى وزير المالية وولفانج شوبيل وانفض من حولها حلفاؤها الاقوياء فى الحزب وتركها شركاؤها الاوروبيون رافضين استقبال نصيبهم من المهاجرين.

وبعد احد عشر عاما من الحكم حصلت فيها على 70% من استقصاءات الرأى العام انخفضت شعبيتها لـ 45%

لقد أحبها الألمان لأنها كانت تجسد الاستقرار، كما ان الاعتداءات الجنسية التى قام بها المهاجرون بكولونيا يوم عيد العام الجديد والهجمات الارهابية لداعش فى يوليو الماضى قلبت جزءا من الشعب ضدها حتى يصرخ متظاهرو حركة «بيجيدا» المعادية للأجانب فى وجهها «خائنة الشعب» وإنما أثبتت ميركيل انها على مستوى رفيع امام مسئوليتها التاريخية، لقد قامت بمجاذفة شجاعة وانسانية وأخلاقية، قد تدفع ثمنها وانما قد تجنى ايضا ثمارها.. هل بدأت تشعر سيدة الأخلاق الانسانة انجيلا ميركيل بأنها يجب أن تنسحب؟ فهى لم تعلن بعد إذا ما كانت سوف تتقدم لفترة رابعة كمستشارة لبلادها خلال انتخابات 2017 وانما سوف يكتب لها التاريخ انها سيدة قرار وإنصاف وقيادة اوروبية نزيهة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف