د. محمود خليل
مؤتمر الشباب.. رؤية عبر الشاشة
عبر شاشة التليفزيون تابعت عدداً من جلسات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، وتولّدت لدىّ عدة انطباعات، أولها أن النقاش، فى أسلوبه ومضمونه، بدا فى أحوال معبّراً عن الواقع المعيش للقضايا المطروحة، ثانيها أن أداء البعض لم يخلُ من المعارضة المظهرية، ولم يبرأ آخرون من الاجتهاد فى إسماع المسئولين ما يحبون سماعه. تعجبت أيضاً من حالة الارتباك التى سادت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إذ عكست قدراً من «اللخبطة» فى إدارة أمر لا يصح الإهمال فيه، لكن ذلك لا يمنع من الحديث عن ثلاث إيجابيات أرى أنها تحققت فى هذا المؤتمر.
أول الإيجابيات المطالبة الواضحة بالإفراج عن الشباب المسجونين الذين لم يتورطوا فى عنف، وقد تبنّى الدكتور أسامة الغزالى حرب هذا المطلب، ودعا الرئيس إلى تشكيل لجنة لدراسة الأمر، تمهيداً للإفراج عنهم. أرجو ألا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وأن تجتهد هذه اللجنة فى القيام بالدور المطلوب منها، وأن تجد أذناً مصغية من جانب الرئاسة. يضاف إلى ما سبق ما طالب به الإعلامى إبراهيم عيسى بإصدار عفو عن سجناء الرأى، وعلى رأسهم إسلام بحيرى، وأحمد ناجى. موضوع الإفراج عن الشباب وكتّاب الرأى كان من المهم طرحه فى المؤتمر، وأتعشم أن تتعامل معه الرئاسة بما يستحقه من أهمية، كبادرة لاستعادة الثقة بينها وبين الشباب، إن كانت تسعى إلى ذلك.
الإيجابية الثانية ترتبط بفكرة جلوس رئيس الدولة إلى الشباب، والخبراء فى المجالات المختلفة، والاستماع إلى مناقشاتهم والتداخل معها. إنها ممارسة رئاسية جديدة، تعكس المعادلات التى أفرزتها ثورتا يناير ويونيو، وبغضّ النظر عن آفة حب الظهور لدى البعض، وحالة الرطرطة فى الكلام التى أصابت آخرين، فإن المؤتمر يشكل بداية لا بأس بها لتفعيل اتصال متكافئ بين الرئيس وقطاع من المواطنين، وأقول قطاعاً لأنه لا خلاف على أن المؤتمر عبّر عن شريحة معينة من المصريين، ولم يعبّر عن كل أطيافهم، وقد يكون من المفيد مستقبلاً أن يُراعَى هذا الأمر. فكرة المنتدى الذى يتحاور فيه كتّاب وسياسيون وشباب وعواجيز مع رئيس الجمهورية فكرة جيدة سيكون لها مردود إيجابى على العقل الثقافى العام، فهذه التجارب تعلّم المواطن أن من حقه أن يناقش وأن يبدى رأيه، وأن يختلف مع رئيس الدولة، وأن يطرح عليه ما يعنّ له من أسئلة.
الإيجابية الثالثة أن المناقشات داخل بعض جلسات المؤتمر عكست سياق الحال الذى نعيشه إلى حد كبير، فى إطار الموضوع المطروح للمناقشة. ظهر ذلك واضحاً فى إطار الجلسة التى احتضنت موضوع «دور الإعلام فى بناء الرأى العام الشبابى»، فقد شرع المشاركون فى الشكوى من كثير من الأمراض التى اعترت الإعلام المصرى خلال الفترة الأخيرة، لكنهم بقدرة قادر أبدعوا وانطلقوا فى ممارسة هذه الأمراض مع بعضهم البعض. من بين هذه الأمراض: الاستقطاب، حيث ظهرت الأصوات متنافرة، ومتقاطعة، وكل يريد الانتصار لرأيه، وأظهرت أن بعض الإعلاميين لا يثمّنون فضيلة الإنصات للآخر. عكست النقاشات أيضاً حالة الخلط البيّن بين الآراء والمعلومات، وأبرزت حالة السيولة فى الحدود الفاصلة بين هاتين المسألتين. أضف إلى ذلك عدم التدقيق فى المعلومات، حيث ترددت معلومات تعوزها الدقة على ألسنة بعض المتحدثين، فبدت هذه الجلسة وكأنها نموذج للعديد من جلسات المؤتمر التى قدمت بياناً على المعلم لبعض أحوالنا!.