الوطن
د. محمود خليل
الحل إيه؟
سعر الدولار تجاوز طبقاً لبعض التقديرات 17 جنيهاً داخل السوق السوداء، السكر ما زال مطلباً عزيزاً، أسعار سلع تموينية متنوعة ترتفع يوماً بعد يوم، الشركة الشرقية للدخان تهدد بوقف إنتاج السجائر، بسبب عدم توافر الدولارات اللازمة لاستيراد المواد الخام التى تدخل فى الصناعة. السلطة ترسل للشعب نداءات عاجلة ومتوالية بضرورة الصبر والتحمل، الصبر على الغلاء، وتحمل شح بعض السلع، النصيحة سهلة على من يسديها، صعبة على من يسمعها، سهل على الناصح أن يقول للإنسان المتعب: اصبر وتحمل، من اليسير عليه أن يدلل على نصيحته بتجربته الذاتية، وارد أن يتذرع بالظروف التى تعيشها البلاد، من الممكن أن يستدعى له وقائع تاريخية وحوادث عاش المصريون فيها شدائد هدتهم هداً، يسير ووارد ومن الممكن أن يفعل الناصح ذلك، لكن من الصعب على أذن من يعانى أن تبتلع هذا الكلام وتمرره بسهولة.

السلطة لها عذرها، حين تنصح، لكن عذر الشعب أكبر حين يتضجر، فليس فى مقدور الناس أن تقنع بحالة الرضا عن النفس التى تكسو وجوه الحكوميين، بعد نصح الناس بالصبر والتحمل، الناس تضجر لسببين، أولهما يرتبط بالأداء، فأغلب المصريين مقتنعون أن البلاد تمر بأزمة صعبة تقتضى منهم بالفعل الصبر والتحمل، لكنهم غير راضين عن أداء الحكومة، تعال نشرح ذلك بمثال عملى يتعلق بموضوع الدولار، الحكومة لا تتوقف عن الحديث عن تعويم الجنيه أو خفض سعره أمام الدولار، وسعر الورقة الخضراء يرتفع بإيقاع صاروخى من يوم إلى آخر، فبعد أن كان يرتفع بالقروش، أصبح يرتفع بـأنصاص الجنيهات، وبعد الأنصاص غدا يرتفع بالجنيهات الكاملة، كل ذلك فى ساعات، وكل ارتفاع فى سعر الدولار يؤدى لارتفاع مقابل فى الأسعار، وإلى شح فى السلع، بسبب عدم القدرة على توفير العملة اللازمة لاستيراد ما يحتاجه الناس، الناس تفهم أن أزمة الدولار ترتبط بتراجع السياحة، وعوائد قناة السويس، وتحويلات المصريين فى الخارج، لكنها لا تفهم أداء هذه الحكومة التى تجلس فى مقاعد المتفرجين «وسايبة» الدنيا «تضرب تقلب»، السبب الثانى يرتبط بسؤال يؤرق المواطن حول الفترة التى ستستغرقها «العصرة الاقتصادية» التى يعيشها، فلا أحد يحدد له متى ستنتهى الأزمة، الكل يقول له اصبر، لكنه لا يحدد له: حتى متى؟

هذان الأمران يفرضان على الحكومة ضرورة التحرك حتى تُشعر المواطن أنها تجتهد أو تحاول محاصرة حالة المعاناة التى يعيشها، بصراحة المواطن يشعر أن السلطة تنصحه ثم تروغ، يحس أن الحكومة غير موجودة، على مستوى آخر لا بد أن يكون لدى المواطن تصور كامل وصريح وشفاف عن حجم الأزمة ومداها الزمنى، سؤال متى تنتهى الأزمة من الأسئلة الملحة داخل الشارع المصرى، ولا بد من تقديم إجابة ولو تقريبية عليه، أضف إلى ذلك ضرورة أن توضح الحكومة للمواطن خريطة تحركها لتخفيف معاناة الناس حتى لا يطفح بها الكيل، الكل يعلم أن سيطرة حالة من الضجر على الناس مقدمة لإحساس أخطر هو اليأس، ووقت اليأس لا قيمة لأى نصح، أرجو ألا تجد السلطة التى تنصحنا ليل نهار مندوحة فى أن ننصح لها!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف