عبد المنعم فؤاد
الطاقة الشبابية وبناء مصر الحديثة
عظيم أن تعتني مصر بشبابها، وتسارع باحتضانه، ومشاركته سياسيا، واقتصاديا، وفكريا، فهذا أول طريق لبناء مصر الحديثة، بل، وبناء أي بلد تريد أن تنهض من كبوتها، وتقف في مصاف الأمم المتقدمة، فالمجتمع الشاب يعتمد علي طاقة هائلة تحركه، وتأخذ بيده إلي طريق الرقي، ولذا اهتمت الأديان الصحيحة بتربية الشباب، والاهتمام بهم، ففي اليهودية اهتم موسي عليه السلام بأخيه الشاب هارون،ودعا المولي سبحانه أن يكون هارون وزيرا له ( واجعلي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري ) سورة طه - وفي المسيحية اهتم سيدنا المسيح عليه السلام بخيرة الشباب ليؤازروه في بناء الأمة أخلاقيا : فكان تلاميذه كما يُطلق عليهم في الأناجيل، أو ما يسمون في الإسلام بالحواريين،فكانوا بحق علي قدر المسئولية، ونصروه، فسموا: أنصار الله، بل كانوا يفخرون بهذه التسمية التي جعلتهم يأخذون بيد الناس لطريق الخير والرشاد فقالوا: ( نحن أنصار الله ) الصف -، وفي الإسلام اهتم سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-: بالشباب،أيما اهتمام، وكان يقول : (نُصرت بالشباب )، بل كان ينزل لرأيهم إذا اجتمعوا علي رأي وإن كان لا يرتضيه، مثل الذي رأيناه منه -صلي الله عليه وسلم- يوم الخروج لمعركة أحد: إذ رغب الشباب في الخروج، وكان النبي يريد التريُث لكنه لما رأي حماسهم لذلك: لبس درعه، واستعد، فلما رأوا أنهم قد تسرعوا، وكان عليهم أن يتريثوا كما ود النبي ذلك: أعتذروا، وطلبوا أن يرجع المصطفي عن هذا، ويخلع درعه فلم يقبل -عليه الصلاة والسلام- : احتراما لرؤيتهم،وتقديرا لمكانتهم، ومن هنا فلابد من تقدير الشباب، عدم التنكر لدورهم في بناء المجتمعات، وتنميتها،،، والقيادة الحكيمة هي التي تعي ذلك، وعلي المجتمع، والمسئولين فيه أن يساعدوا في استغلال طاقة الشباب،ويوجهونها الوجهة النافعة، فليس من المعقول أن ينصب اهتمام المسئولين في بناء الملاعب الرياضية، ومسابقات كرة القدم، والأغاني، وتأليف المسرحيات فحسب، بل مصر تحتاج إلي ما هو أهم، وأهدي سبيلا، فلو أن كل محافظ في محافظات مصر المترامية الأطراف: وقف بجوار قيادته، واهتم بشباب محافظته في دفع عجلة العمل، والتنمية: فأنشأ في كل محافظة إن لم يكن في كل مركز أو قرية مصنعا، ولو في الصناعات الصغيرة ( كصناعة الورق أو الأقلام، أو الملابس الجاهزة، أو حتي شنط المدارس، أو الحلوي أو الشبسي ) الخ: لرأينا نتائج هائلة، وإقبالا لا نظير له من الشباب، فبدلا من استيراد هذه الصناعات الصغيرة من الصين أو غيرها مثلا لماذا لا نتحرك نحن في ذلك ؟ هلي عسير علي أي محافظ أن يُبادر ببناء أماكن للصناعات الصغيرة التي لا تُرهق لا ماديا، ولا جسديا، وهي مطلوبة في المجتمع ؟ هل سمعنا من أي محافظ يتكرم علينا ببُشري في بناء مشروع استثماري يساعد في تنمية المجتمع،ويسد أي عجز في محافظته ؟ اتحدي أن يُثبت أحد أن هذا قد حدث،،وأن السادة المحافظين جمعوا الشباب من علي نواصي الشوارع، وبنوا لهم مصنعا، بل إن تمويل هذه المصانع قد يكون بالجهود الذاتية عن طريق الأسهم من التجار، أو غيرهم في شركات مساهمة مصرية مائة بالمئة،ويوزع الدخل حسب الأسهم،،،وأنا علي يقين أن أصحاب الأموال لو رأوا جدية، وعزيمة وصدقا من أي مسئول كبير يضمن لهم أموالهم، ويوثقها لهم قانونا: لتنافس في ذلك المتنافسون.
لكن أن يروا أن السيد المحافظ لا هم له، ولا عمل سوي حضور الأنشطة الرياضية، والغنائية، والترفهية في الجامعات أو الأندية فحسب: فلا يمكن أن يُفكر واحد من هؤلاء في تقديم أي يد، أو عون لشباب بلاده.. وسنبقي في صراع مع التطرف، والإرهاب، والفساد، والإفساد. وسيظل الشباب يهدر قوته فيما لا طائل من ورائه، مع العلم أن أي أزمة إذا لم يكن للشباب يد في حلها لا يمكن أن تُحل، ورسولنا -صلي الله عليه وسلم- راعي ذلك،، فالأزمة الاقتصادية المفتعلة، والتي تمر بها بلادنا الآن : مثل أزمة السكر، أو الأرز أو غيرهما وجُد مثيل لها في عهد الرسول -صلي الله عليه وسلم- إذ وجد في المدينة من يحتكرُ السلع التي يحتاجها الناس، وكان تُجار اليهود هم الأبطال في هذا الاحتكار لكونهم هم وحدهم يملكون السوق الوحيد في المدينة، فجمع النبي الشباب لحل الأزمة، واقترح بناء سوق موازية لسوق اليهود بالمدينة فكان الشاب عبد الرحمن بن عوف :هو أول من أسرع في إقامة هذه السوق، وقاد شباب الصحابة في هذا الأمر، وأعطاهم جلسات،أو دورات في كيفية إدارة الأعمال، وبناء الاقتصاد الإسلامي، ونجح الشباب في هذا الأمر لما رأوا صدق العزيمة،والجدية،والإخلاص في القول، والعمل، وأنهوا بالفعل : احتكار اليهود للسلع،وروجوا لتجارتهم في كل مكان، علما بأن هؤلاء التجار اليهود هم من كانوا يتحكمون في اقتصاد المدينة حتي قُبيل هجرة الرسول إليها، ولكن عزيمة الشباب لا يقف في طريق إخمادها أحد مهما كانت سطوته، ولذا واجب أن نأخذ بيد شبابنا في بناء نهضتنا، وأن ننهض بأفكارهم في كل المستويات، وأن نهتم في مدارسنا وجامعاتنا بإعطاء جُرعات لهم مفيدة عن سير، وقصص نجاح سلفهم الصالح من شباب الأمة من أمثال : الشاب عبد الرحمن بن عوف هذا، وعثمان بن عفان في التجارة حيث استطاعا أن يكونا من كبار رجال الأعمال في المدينة، وهم في ريعانة شبابهما انذاك،وُنذكرهم أيضا في السياسة : بالشاب أسامة بن زيد الذي اهتم به النبي، ولمح فيه الذكاء فجعله قائدا أعلي للقوات المسلحة الإسلامية وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، ومن خلفه كبار الصحابة، ولم يعترض واحد من هؤلاء الكبار علي قيادة هذا الشاب لعلمهم أن الشباب لابد أن يتحملوا مسئولية بناء الأوطان، والدفاع عنها،،، نذكرهم بالشاب خالد بن الوليد : سيف الله المسلول الذي لم يهزم بفضل ثقته في الله، ثم نفسه في أي معركة دخلها،كما نذكرهم بقطز، وصلاح الدين في هذا الأمر، ونذكرهم في البحث والعلم :بالشاب الإمام البخاري الذي ألف كتابه الجامع الصحيح في ست عشرة سنة، وكان له منهج رائع في اختيار الأحاديث مما جعل كتابه مرجعا أوليا بعد كتاب الله تعالي، وقد توفي قبل الأربعين، نذكرهم بأصولية الشافعي،، وصوفية الغزالي، وفلسفة ابن رشد، وحكمة الفارابي،، وحماسة سعد زغلول، وجهاد مصطفي كامل، وعبقرية العقاد، ووطنية مكرم عبيد، وخواطر الشعراوي، ووسطية الطيب، الخ نذكرهم بهؤلاءوشبابهم، وأياديهم البيضاء في تراثنا المصري، والعربي حتي يعلموا أن لهم في التاريخ من النماذج ما يشرف فيسرعوا ببناء وطنهم بقوة وهم مستبشرون.