عبر رحلة طويلة امتدت إلي أكثر من 70 قرنا من عمر الكون عاشت مصر الدولة لحظات انتصار وانكسار وامتداد وانحسار لكنها دوما هنا، دوما تغني للحياة رغم أنات اﻷلم، دوما تغني للنهار.
ومع ميلاد عالم جديد انتهي توا من حربه العالمية الثانية قتل فيها الكثير واستخدمت فيها أقوي منجزات العقل البشري المدمر لذاته عبر قنابل نووية في هيروشيما ونجازاكي، ولدت دولة مصرية جديدة شابة، عضوا في منظمة الأمم المتحدة رغم الاحتلال، دولة مدنية ديمقراطية دستورية رغم الملكية، قوية فتية تسعي لفك طلاسم الأنظمة واشتباكات دوائر الاهتمام لتخلق »الجمهورية الأولي» مجموعة من ضباطها الأحرار تأثروا بالتيارات الفكرية والسياسية التي حركت شعبا عظيما يسعي للعيش والحرية والكرامة الإنسانية، وجد ضالته في هؤلاء الضباط الشبان الكبار بأحلامهم وما زلنا نتذكر أهداف ثورة يوليو 1952 :
- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
- إقامة جيش وطني قوي.
- إقامة عدالة اجتماعية.
- القضاء علي الاستعمار وأعوانه.
- القضاء علي الإقطاع.
- القضاء علي ااحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم.
وهو ما قطعه الضباط الشبان علي أنفسهم وهم يحلمون بمصر القوية العادلة وهي نفس الأهداف التي ثار من أجلها ثوار 25 يناير وثوار 30 يونيو »الشبان».
فالحرية والكرامة والعدالة هي الأهداف العليا للمصريين وهم يقطعون رحلة الحياة التي علمتهم بصحاريها، وجبالها، وسهولها - التي يعشقون - أنها صعبة المراس لا تلين إلا لمن عرف أسرارها، ومن نيلها ومالحها تعلموا أنها لا تدوم علي حال.
آلاف الحكام عبروا بواباتها المفتوحة دوما علي التاريخ، وكان » ناصر » الذي جعل من الكرامة والعدالة أهم أولوياته فسعي إلي تعليم أبناء الفقراء لأنه كان علي يقين أنه لا نجاة لهذه الدولة إلا بالعلم وآمن المصريون معه بأنه لا سبيل إلي الارتقاء الاجتماعي والإنساني إلا بالعلم، ورغم كل الصعوبات ما زالوا يؤمنون ويتكبدون في سبيل تعليم أبنائهم المشاق، وآمن بالعدل فامتدت يد الدولة إلي كل بقاع مصر بالصحة والتعليم، آمن أن صورة مصر لن يرسمها ويصوغ جوانب قوتها وجمالها وعظمتها إلا المبدعون والمثقفون لكي تغني لها الدنيا بأنها أم الدنيا،فهي فجر الضمير الإنساني، ومولد حضارة الانسان علي الأرض، وكان علي »عبد الناصر» أن يتخذ في سبيل ذلك قرارات صعبة أعلن فيها وقوفه في وجه العالم كله من أجل كرامة شعبه، وكان أهمها قراره ببناء الوجه الصناعي لمصر، ليتوازي مع وجهها الزراعي، والعديد من القرارات مثل التأميم، والإصلاح الزراعي، وإنشاء السد العالي، وإقامة العديد من القلاع الصناعية الكبري، وامتدت قوة مصر الناعمة إلي العالم كله تغني للحرية والعدل وتجعل من رؤيتها للعالم والكون الرؤية السائدة في محيطها الإنساني، فتحررت دول ونشأت أخري وصار زعيما للعالم العربي والعالم الحر، وإنشاء منظمة دول عدم الإنحياز مع قوي نظيرة له في أوروبا وآسيا، ولكنه أهمل في رحلته الحياة الديمقراطية السليمة التي وعد بها، ونتفق ونختلف علي العلاقة بين الحلم والواقع، لكن مصر حظيت بفرصة عظيمة لتنتقل من هذا التشوش الكبير في أنظمة الحكم لتعود إلي ثقافة الدولة الوطنية الحديثة حيث آمنت بتنوعها وتعدد ألوان ثقافاتها وتماسك نسيجها الوطني.
وعلي الرغم مما تبقي داخل عبد الناصر الشاب من ود لرفاق النضال في 48 (الإخوان المسلمين) إلا أنه اتخذ القرار الذي تأخر كثيرا فتخلص منهم وانحاز فيه إلي الدولة الوطنية إلي التقدم والحداثة ورفض فيه الرجعية وسلفية العقل والفعل.
وما أن أنجزت مصر خطتها الخمسية الأولي عام 1965 حتي تلقت ضربة موجعة قسمت ظهر الحلم، لكنه الشعب العنيد يخرج في حشود عظيمة يرفض الهزيمة ويرفض أن يتخلي القائد عن موقعه، ليعلن حربا لا هوادة فيها، ما زالت تمثل درسا في التاريخ الإنساني والعسكري علي صمود شعب وإرادة انتصار وعشق للحياة، وهي رحلة امتدت سبع سنوات فكانوا كما سنوات يوسف (صلي الله عليه وعلي نبينا وسلم) العجاف كشفت عن العمق الحضاري الإنساني لهذه الجماعة من البشر، وأظهرت قوة تنوعها وعظمة تعدد ألوانها وروحها الشابة دائما.
فهل يحقق شباب مصر في سبيل نهضتها ما حققوه قديما في مراحل متعددة ؟