كنت أتصور وأنا في الطائرة إلي شرم الشيخ أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيحضر جلستي الافتتاح والختام. وربما تكلم في إحداهما كلاماً مختصراً. فالرجل رجل أفعال لا أقوال. ويحاول أن يغير الواقع المصري بالحلم والفعل والإمكانية. وليس بالخطب المطولة، ولا الشعارات الرنَّانة. لكن ما فعله الرئيس جاء مختلفاً عما تصورته.
حضر عدداً كبيراً من الجلسات. جاء مستمعاً لا متكلماً. وحتي عندما تكلم حاور الشباب فيما يقولونه، وطرح رؤاه. ولم يتكلم في أي جلسة من الجلسات العامة التي حضرها. أو ورش العمل إلا لأن المتحدثين في هذه الندوات أو من يديرونها طلبوا صراحة أن يستمعوا لرأيه في المطروح من القضايا. كما فعل أسامة كمال بعد الجلسة العاصفة التي ناقشت الإعلام المصري: وضعه الراهن وما نحلم به له. عندما خاطب الرئيس السيسي مباشرة، ورجاه أن يستمع الحاضرون لرأيه في الموضع الذي يناقش.
لم يأت السيسي لدقائق ثم ينصرف. لكنه قضي وقتاً طويلاً في الجلسات. فزيارته ليست بروتوكولية لإثبات الحضور. والتقاط الصور التذكارية مع الشباب. لكن لمعرفة كيف يفكر الشباب ومحاولة إمساك عقل مصر الشابة والتعامل معه والاقتراب منه، ووضع اليد علي تضاريسه.
في مؤتمر شباب العام القادم الذي سيعقد في نوفمبر وفي شرم الشيخ أحلم أن أري الرئيس عبد الفتاح السيسي وسط الشباب دون الزي الرسمي، بدون رابطة عنق أو بدلة كاملة. صحيح أنه رمز لمصر. وأن دوره الرئيسي ومنصبه الرسمي قد يفرض عليه ما لا يفرض علينا ــ وأنا أعرف أنه ليس من حقي أن أقترح علي الرئيس ملابسه ــ ولكن التواجد بين الشباب، والاستماع للشباب. ربما كان الطريق الحقيقي له، ليس أن نفكر كما يفكر الشباب. لكن أن تكون أزياؤنا شبابية. فالزي علامة من علامات الإنسان.
اللواء عباس كامل ــ وهو من هو ــ لم يكن ينصرف مع الرئيس عند انصرافه من الجلسات. كان يتعمد البقاء بيننا. واستكمال المناقشات معنا. وسؤالنا. والاستماع إلينا. يبدو أن عباس كامل تخلص من شهوة الكلام، وأصبح الإنصات إليه أهم ألف مرة من القول والحكي. والرجل لا يهتم بالنجوم الطائرة في السماء، بقدر ما يوجه اهتمامه للشباب أملنا جميعاً. ورغم انصراف الرئيس، فإن الوقت الذي يقضيه عباس كامل بين الشباب قد يطول ويصل إلي مقدمات الجلسة التالية. وعندما بدأت الحملة الإرهابية المتطرفة ضده، قلت أن الحملة ضد عباس كامل، مقدمة لا بد منها للحملة ضد الرئيس. وقد كان.
الرائد أحمد شعبان ــ وهل ما زال الرائد بعد كل هذه السنوات رائداً؟ - لم أره في المؤتمر. وإن كنت أحسست بوجوده مما نقل عنه من عبارات وكلمات قيلت علي لسانه من شباب وإعلاميين. عندما تعطل الصوت في الجلسة الافتتاحية. وقال الرئيس السيسي كمحاولة منه للخروج من المأزق الطارئ أن الكمبيوتر »زرجن» فإن الإعلاميين الشباب نقلوا عن أحمد شعبان أن الكابل الموصل للمسرح أصابه تلف، وقد تم إصلاحه. وقد رأينا أداء حفل الختام يوشك ان يصل لحدود الكمال، من حيث الاهتمام بمثل هذه التفاصيل.
السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، تُذكرك أناقته بأنه دبلوماسي سابق. أتي لمكانه من منصة الدبلوماسية. وعندما يعبر عن اجتماعات الرئيس، يتحدث بدقة تامة، حيث إن كانت بداخله معلومات تساوي ثلاث كلمات. فهو لا يقولها في أربعة أبداً.
اللواء أركان حرب مصطفي شريف، رئيس ديوان رئيس الجمهورية. قرر أن يقوم بدوره المهم والجوهري بالاختباء. لا أحد يذكره. ولا يقول أنه صافحه. رغم أن آثار عمله موجودة في كل مكان يتحرك فيه الرئيس.
رشا علام، رئيسة المكتب الإعلامي للرئيس. رأيتها تقف عند الباب الخارجي، وبجوار عمليات التأكد من وجود الدعوات مع الحاضرين. وعندما وقع مني رقمي القومي في لحظة الدخول، ساعدتني في الحصول عليه.
لم أجد في المؤتمر فايزة أبو النجا، مستشارة الرئيس للأمن القومي. وأحد العقول المهمة التي تكمن خلف صناعة القرار في مصر الآن. وأيضاً لم أجد اللواء أحمد جمال الدين، المستشار الأمني للرئيس. وربما كانا موجودين ولم يتصادف أن قابلتهما.
إن قلت أن مصر تتغير، فأنا دقيق وصادق. وأن هذا التغيير حدث في مؤسسة الرئاسة. فبحكم معاصرتي لأزمنة سابقة، أؤكد أن هذا التغيير تم. وأن رجال الرئيس يتعاملون معنا باعتبارهم بشراً، يقوم كل منهم بخدمة ما لهذا الوطن. وهذه الخدمة لم توفر له أي خيلاء أو غرور أو إحساس بالسلطة.